لا لقيادة المرأة!

TT

لنفترض أن نحو 20 ألفا من المبتعثين السعوديين في بريطانيا عادوا إلى بلادهم بعد حين، واكتشفوا أن طريقة القيادة المرورية في بلادهم أصبحت أكثر صعوبة عليهم، مما دفعهم للمطالبة بأن يتم تحويل نظام القيادة من اليمين إلى اليسار، كما هي الطريقة البريطانية الشهيرة. هل من المنطقي، والمعقول، والمقبول، أن يبعث بضع مئات منهم برسالة لوزير الخارجية البريطاني من أجل «الضغط» على حكومتهم لتلبية مطلبهم؟

هذا بالفعل ما قامت به مجموعة من مؤيدي قيادة المرأة في السعودية، عندما انتقلوا فجأة من السكون المطلق إلى الحركة المطلقة، ومن دون أي مقدمات. طاروا بالباراشوت ظنا منهم أنهم سيدعمون حقوقهم، لكنهم سقطوا شر سقطة في أعين مناصري قضيتهم قبل غيرهم. باتوا كمن يقفز على الحواجز في سباق لا توجد فيه حواجز أصلا. أرسلوا رسالة، عن طريق موقع أميركي، لوزيرة الخارجية الأميركية، يرجونها أن تضغط من أجل أن تسمح سلطات بلادهم بقيادة المرأة.

وبعيدا عن الإجابة المنطقية التي جاءت من الوزيرة الأميركية: القضية شأن سعودي. ومع فهمي واقتناعي أنه عندما تحدث انتهاكات لحقوق الإنسان في دولة ما، فلا يمكن للولايات المتحدة، أو غيرها من دول العالم، أن تتفرج. لكن ما لا أفهمه، ولا أقبله، وغير مقتنع به، أن تقوم أي مجموعة بحمل قضاياها الداخلية الصرفة، والاتجاه للخارج بحثا عن حلول لها. هل يحق لنا، مثلا، أن نناشد الرئيس الأميركي أن «يضغط» على حكومتنا من أجل السماح بتغليظ عقوبة قطع الإشارة المرورية؟ ماذا عن فرنسا التي منعت النقاب على الرغم من أن 10% من سكانها مسلمون؟ وهاهي دولة مثل هولندا تبيع الحشيش المخدر في الشوارع. بل إن هناك قانونا بريطانيا غريبا يعتبر لصق طابع بريدي بالمقلوب «خيانة وطنية»، إذا كان عليه صورة الملك أو الملكة. وعلى هذا القياس، هناك المئات من القوانين المحلية، التي يعتبرها أهلها تنتقص من حقوقهم وغير منصفة، فهل استنجدوا بأكبر دولة في العالم لتضغط على بلادهم من أجل تغيير قوانينهم الداخلية؟

قضية قيادة المرأة المفروض أن تبقى في مكانها الصحيح كقضية محلية، وعلى المرأة السعودية - إن أرادت أن تنال حقها هذا - أن تكافح بجدية للوصول إليه. القضية أصبحت شائكة للدرجة التي أضحى ضجيجها الإعلامي أكبر بكثير من حجمها الحقيقي على أرض الواقع، فلا توجد مؤشرات فعلية تشير إلى أن هذه القضية أصبحت مطلبا شعبيا، لماذا؟ لأن من يزعمون أنهم ناشطون - والمضحك أنهم يتهافتون على وصفهم هذا - أرادوا أن يبنوا المنزل بالمقلوب. فمثلا - وبدلا من إرسال هذه الرسالة لوزيرة الخارجية الأميركية - ماذا لو وقعت رسالة محلية نسائية من قبل 100 ألف امرأة سعودية، ورفعت إلى المسؤولين في الدولة؟ أليس هذا مؤشرا فعليا، وليس وهميا، أن هناك مطالب حقيقية؟ أليس هناك نحو 8 ملايين امرأة سعودية لهن حق القيادة؟ أين هن من هذا الحراك؟

رأيي كتبته هنا قبل أسابيع مؤيدا لحق المرأة في القيادة، غير أن مثل هذه التحركات إلى الخارج تعيدنا إلى نقطة الصفر من جديد. من السهل استفزاز المجتمع، لكن من الصعب إعادة الثقة لمطلب مثل قيادة المرأة، ما دام هناك من لا يفهم حتى الآن كيف تتعامل مؤسسات المجتمع المدني مع حقوقها. فأهلا وسهلا بقرار قيادة المرأة إذا نبع من الداخل، ولا أهلا ولا سهلا بقيادتها إذا رغبوا بها عن طريق «التحويلة» الخارجية!

[email protected]