أهمية نصائح الآباء في نجاح الأعمال التجارية

TT

لا يمكنك أن تكون مبالغا في تقديرك لمدى تأثير نموذج الأب على نجاح أي شخص. وإن كان لديك شك في ذلك، فعليك بسؤال إيفان جونز، المستثمر في مجال التكنولوجيا الحيوية من مدينة «بوتوماك» الأميركية. لقد نشأ جونز في كنف اثنين من أساتذة الأعمال. فجده، رودني ويلكوكس جونز، أسس الشركة التي حملت فيما بعد اسم «جونز نيويورك» نسبة إليه، وهي شركة الملابس النسائية الناجحة. والمعلم الآخر الذي أفاد منه إيفان هو زوج أمه إدوين سي «جاك» وايت هيد، الذي حقق ثروة ضخمة بتسويق اختبارات دم على نطاق واسع، وقدم لمعهد «وايت هيد» للأبحاث الطبية الحيوية في بوسطن منحة قيمتها 135 مليون دولار.

وقد علمه جده كيفية الاستفادة من أخطائه. ورسم وايت هيد طريق التدريب المهني لإيفان جونز، الذي وضعه في بداية الطريق نحو المضي قدما من أجل امتلاك شركة خاصة به يوما ما. وكان لكل منهما تأثير عميق على حياة جونز المهنية؛ حيث غرسا فيه حب المشاريع التجارية والعمل الحر المغامر. وهو ما كان له الفضل في النهاية في استحواذ جونز على شركة «دايجين» الكائنة في مدينة سيلفر سبرينغ وبيعها وتحقيق نجاح مبهر. إن جونز يحظى بالتقدير والاحترام بدرجة كبيرة في مجال التكنولوجيا الحيوية. وهو يستثمر في شركات ذات أسماء بارزة مثل «كلاينر بيركنز»، واحدة من أكثر شركات رأس المال المخاطر نجاحا في العالم، و«تي بي جي»، الشركة العملاقة في مجال الأسهم الخاصة التي أسسها ديفيد بوندرمان. «أنا شخص محظوظ للغاية»، هذا ما قاله رجل الأعمال البالغ من العمر 54 عاما.

وتتمثل آخر مؤسسة تجارية أقامها في «أوبجين» الكائنة في غايثرسبيرغ، التي تقوم بتصنيع أجهزة تساعد في تحديد الخريطة الجينية للأمراض.

وذكر جونز أن التكنولوجيا التي تطرحها شركة «أوبجين» يمكن أن تسهم في حل مشكلة تفشي بكتيريا «إي كولاي» في ألمانيا في الوقت الحالي ومشكلة الكوليرا المستمرة في هايتي والبكتيريا المقاومة للأدوية التي تم اكتشافها حديثا في ألبان الأبقار في أوروبا. وتمتلك شركة «أوبجين» 58 موظفا. وحققت الشركة عائدات قيمتها 4 ملايين دولار العام الماضي، ومن المتوقع أن تزيد عائداتها بمقدار الضعف هذا العام.

وقد عاش على مدار حياته في مجموعة من المناطق المنعزلة المحاطة بالأشجار، ومنها باكس كاونتي وبرينستون وراي وغرينتش. وعادة ما كان الحديث الدائر حول طاولة الغداء منصبا على العمل والتجارة. وقد أمده جده، الذي كان قد أنشأ شركة «جونز نيتينغ» في عشرينات القرن الماضي، بأول درس في مجال التجارة. وكانت شركة «جونز نيتينغ» قد تأسست بدافع زيادة الطلب على الملابس الداخلية الطويلة. وقال جونز: «مع ظهور سيارات مزودة بتقنيات تدفئة ومنازل مزودة بتقنية التدفئة المركزية، قل الطلب على الملابس الداخلية الطويلة». وبالتالي، تحول جده، بمساعدة والد جونز «كورتيس»، بشركة الأسرة إلى مجال الملابس النسائية الأعلى ربحا. وظلت الشركة قائمة إلى أن أطاحت بها الشركات المنافسة الأجنبية. وتم بيعها إلى شركة «دبليو آر غريس» في الستينات من القرن الماضي، وفقا لما ذكره جونز، وفيما بعد، قام رجل الأعمال سيدني كيمل بشرائها وأسس شركة «جونز نيويورك» لتصبح عملاق تجارة التجزئة في عصرنا الحاضر. وقد كان لزوج أم جونز تأثير أكثر استمرارية عليه. كان جاك وايت هيد رجل أعمال أحدث ثورة في مجال اختبارات الدم. كانت شركة الأسرة، «تكنيكون»، عاملة في مجال الأجهزة الخاصة بمرضى شلل الأطفال. وحينما تم اكتشاف علاج لشلل الأطفال في خمسينات القرن الماضي، انهارت مكانة الشركة تماما، مثلما أدى انخفاض حجم الطلب على الملابس الداخلية الطويلة إلى انهيار شركة «جونز نيتينغ».

وتمكن وايت هيد واسع الحيلة من الانتقال بشركة «تكنيكون» إلى مجال عمل جديد، من خلال التعاون مع مستثمر من أجل تصميم أجهزة لها القدرة على إجراء فحوص دم واسعة النطاق لتحديد أشياء مثل نسبة الكولسترول والغلوكوز في الدم. واستشعر وايت هيد إمكانية تحقيق أرباح طائلة من «جهاز تحليل الدم»، وقام بتسويقه تجاريا على مستوى عالمي. وعرض شركة «تكنيكون» للبيع في المزاد العلني في الستينات من القرن الماضي وباعها إلى شركة «ريفلون» لمستحضرات التجميل بمبلغ 250 مليون دولار في سبعينات القرن الماضي. وتعتبر الشركة الآن جزءا من شركة «باير» الألمانية، عملاق الأدوية. وبات تحليل الدم تجارة عالمية تحقق أرباحا قدرها 30 مليار دولار وتعتبر أساسية في الطب الحديث.

وبعد أن أنهى العام الثاني من دراسته بجامعة ديوك، طاف إيفان جونز، الذي كان يبلغ من العمر حينها 21 عاما، حول العالم لمدة عام؛ حيث عمل لحساب شركة زوج أمه واكتسب دروسا من خلال عمله. وانتهى به المطاف إلى جامعة كولورادو في مقاطعة بولدر، وتخرج في عام 1980. وقال: «ظننت أن الحياة ستكون سهلة، وحينما ذهبت للبحث عن وظيفة، لم أجدها».

وحصل على وظيفة يعمل فيها في وردية من الساعة 3 إلى 11 صباحا بمعمل استخدم أجهزة تحليل الدم التي أنتجتها شركة «تكنيكون»، وركز تفكيره على التطور في المجال الطبي. حينها، تدخل وايت هيد وأخبر جونز أنه يفتقر إلى التعليم والخبرة لكي يصبح عالما متميزا في مجاله. واقترح على جونز برنامجا يمكنه اتباعه كي يتمكن من إنشاء شركة ناجحة يوما ما:

(1) الحصول على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة مرموقة.

(2) العمل في شركة ناجحة لعدة سنوات لاكتساب خبرة مباشرة في المجال.

(3) العمل كمستثمر لرأسمال مخاطر لتعلم كيفية بدء الشركات عملها.

(4) إتمام الخطوات الثلاث الأولى بنجاح.

ووعده وايت هيد أن يساعده إذا اتبع النصيحة. وحصل جونز على ماجستير إدارة الأعمال في وارتون عام 1983. وبعدها، عمل لحساب شركة «بيركين إلمر»، شركة الأدوات الطبية العملاقة التي تعاقدت معه لبدء عمله في مجال العلوم الطبية. «هنا، تعلمت كيف تسير الأمور في شركات ضخمة تدار بشكل جيد»، هذا ما قاله. لقد اكتسب خبرة قيمة في مجال مادة الـ«دي إن إيه» الناشئ والتكنولوجيا الحيوية.

وترك جونز شركة «بيركين إلمر» بعد 3 سنوات وانضم لشركة رأسمال مخاطر في نيويورك كزميل؛ حيث تعلم كيفية التعرف على التقنيات التي يمكن أن تشكل أساسا لقيام شركات جديدة. وشمل عمله زيارة مكاتب منح التراخيص بالمؤسسات البحثية الكبرى، مثل «هارفارد» و«إم آي تي»؛ حيث عثر على براءات اختراعات جديدة حققت نجاحات تجارية. وعمل هناك لمدة 3 سنوات. وفي عام 1990 بدأ جونز مع صديق له شركة استثمار، تسمى «أرمونك بارتنرز». واستحوذا على شركة صغيرة يعمل بها 30 موظفا، تخصصت في بيع زجاجات المياه النقية إلى معاهد الصحة الوطنية الأميركية لاستخدامها في إجراء الاختبارات. وعُرفت الشركة، التي كانت على شفا الإفلاس، باسم «دايجين». واستخدم جونز مدخراته الخاصة واقترض أموالا من وايت هيد، واستثمر الاثنان مبلغا قيمته 7 ملايين دولار. وبعد عدة أشهر، انتقل جونز وشريكه تشاك فليشمان إلى واشنطن للمساعدة في إنقاذ شركة «دايجين» وإحيائها من جديد، والتي كانت تتكبد خسائر قيمتها 100 ألف دولار شهريا.

«إذا أردت أن تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية، فيجب أن تذهب إلى واشنطن أو ميريلاند أو سان فرانسيسكو أو سان دييغو»، هكذا تحدث جونز.

كانت بدايات شركة «دايجين» مختلفة. فلم يكن لديها رأس المال الكافي. وكتبت «أرمونك» شيكات لتغطية الفواتير. وعقب وفاة وايت هيد عام 1992، بدأ جونز تمويل الشركة، وجمع لاحقا أموالا تأسيسية من مستثمرين عدة في واشنطن. وعرضت شركة «دايجين» للبيع في المزاد العلني عام 1996، وفي 2003 حصلت على تصديق من الإدارة الأميركية للأغذية والأدوية على استخدام الفحص الخاص بها في البحث عن سبب الإصابة بسرطان عنق الرحم، مع احتمال ترويج 35 مليون اختبار دم في السوق الأميركية سنويا. وأشار جونز إلى اختبارات الفحوص الأولية للدم باعتبارها «منتجا منزليا».

وحقق الملاك والمستثمرون المحليون الأثرياء، الذين اشتروا هذه الاختبارات، ملايين الدولارات. وتم الاستحواذ على شركة «دايجين» عام 2007 من قبل شركة «كياجين» مقابل 1.6 مليار دولار.

«جمعت مبلغا كافيا من المال للتقاعد وإنشاء شركة (جي إف)»، هكذا تحدث مشيرا إلى اسم شركة رأس المال المخاطر خاصته المعروفة باسم «جونز فينتشر».

وتحتل شركة «جونز فينتشر» مراكز ملكية من خلال استثمارات يتراوح حجمها بين مليون و10 ملايين دولار في عدة شركات ناشئة تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية. وقد تمثل أحد هذه الاستثمارات المربحة في شركة تخصصت في فحوصات دم لأمراض جينية نادرة تصيب الأطفال. وشركة «فلويديغم»، الكائنة في سان فرانسيسكو، هي شركة أدوات تكنولوجيا حيوية تنتج أجهزة تستخدم في الأبحاث البيولوجية. وقال جونز: «بناء هذه الشركات مهمة صعبة.. فهو عمل يستغرق أعواما ويتطلب وجود رأسمال يقدر بالملايين». وهو عمل يتطلب أيضا طلب النصيحة الأبوية السديدة.

* خدمة «واشنطن بوست»