المصالحة في سباق الحواجز

TT

حاجز سلام فياض، تسبب في تأجيل لقاء القاهرة المفترض أن يكون حاسما بين عباس ومشعل، ذلك بعد تحذير مصري للجانبين الحمساوي والفتحاوي، بأن القاهرة لا تحتمل فشل اللقاء الحاسم على أرضها، بعد أن نجحت في حمل الجانبين على التوقيع على الورقة المصرية، مما سجل كإنجاز نوعي مهم لمصر الثورة ولأجواء الربيع العربي المزدهر.

لا أحد يعرف على وجه الدقة، متى سيتم اللقاء الحاسم، هل قبل سبتمبر (أيلول) أم بعده، هل قبل صفقة شاليط أم بعدها، وهل سيكون اللقاء احتفالا بتكريس سلام فياض رئيسا لوزراء حكومة الوفاق أم سيكون بعد التخلص من الرجل الذي صعدت حماس وعلى نحو لافت هجومها عليه، وسوق الأدلة والبراهين على عدم جدارته بهذا المنصب في زمن الوحدة والاتفاق!

على كل حال، فسواء سويت قضية فياض بالاتفاق عليه أو على غيره، فإن ما سيكون قد تم فعلا هو تجاوز حاجز واحد تتلوه حواجز أكثر ارتفاعا وصعوبة، وبالإمكان الإشارة إلى بعضها.

الأول: وهو حاجز الأساس السياسي، للعلاقة القادمة بين فتح وحماس، وهو الحاجز الذي يرتفع كلما احتاج الإسرائيليون والأميركيون إلى ضغط إضافي على عباس.

وحين ندقق في الصورة السياسية الراهنة وامتداداتها المستقبلية، نرى أن الحاجة للضغط تصاعدت، وأن التغاضي عن حتمية موافقة الحكومة العتيدة على مسألة الاعتراف الصريح بإسرائيل لم يعد واردا؛ ذلك أن هذا الحاجز أصبح وعلى نحو مباشر شرط التعاون مع الحكومة الجديدة، أو سبب إعلان الحرب عليها.

الثاني: ولنفترض أن إسرائيل وأميركا وافقتا على صيغة الرئيس محمود عباس بأن الحكومة الجديدة ليست حكومة سياسية وهي حكما تتبع سياسة رئيس المنظمة والسلطة، وليس الفصائل التي شكلتها، فما هو الحال، حين يفتح الملف الأمني من جديد، بما فيه من معتقلين على ذمة خيار المقاومة وما فيه كذلك من تنسيق أمني تفصيلي بين السلطة وإسرائيل برعاية أميركية، إن الحكومة الجديدة هي المسؤولة عن هذا الملف.. فهل نمضي قدما فيه بما يناقض تماما أدبيات وسياسات حماس من أساسها، أم أنها ستعلن تعليق هذا التنسيق أو إلغاءه بما يتبع ذلك من مضاعفات وردات فعل إسرائيلية أميركية؟

الثالث: إذا كانت تسمية رئيس الوزراء أخذت كل هذا الوقت، فكم من الوقت يستغرق إصلاح منظمة التحرير؛ إطارات ومؤسسات وبرامج؟ وكيف يصوغ الطرفان السياسة الجديدة لمنظمة التحرير صاحبة الاعتراف المتبادل واتفاقات أوسلو؟ فإذا كان الظرف قد تجاوز أوسلو في الواقع فهل هنالك استعداد لدى المنظمة كي تتراجع عن الاعتراف المتبادل أو هل هنالك استعداد حمساوي للمشاركة في منظمة تلتزم بهذا الاعتراف وتجسده في كل سياساتها ومواقفها؟

الرابع: لقد نشأ خلال السنوات الأربع الماضية واقع عملي في الضفة والقطاع، ففي الضفة سلطة تتبنى خيار المقاومة عبر التنمية، وفي القطاع سلطة تتبنى خيار المقاومة والأنفاق، وكل طرف من الطرفين يرقد على رصيده، ومنظومة اعتباراته وعلاقاته، فأين يا ترى سيكون منتصف الطريق الذي يلتقيان فيه؟ هل صيغة اتحاد كونفدرالي بين الكيانين ممكنة (!) وهل صيغة إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب ممكنة كذلك؟ وهل.. وهل.. وهل.. وهنالك عشرات الأسئلة المنبثقة عن بعضها البعض في هذا السياق.

الورقة المصرية وضعت إجابات محددة إلا أنها إجابات تتعلق بالنص والتسويات التي نجمت عن الحوار، أما حين يذهب الجانبان إلى التطبيق العملي، فساعتئذ تتراجع النصوص لمصلحة اعتبارات كل فصيل ومصالحه، واعتبارات كل فصيل في واقع الأمر تبدو مصيرية ولا مجال للتهاون في حمايتها وضمانها.

لقد اختار الفريقان المتصارعان طريقة التحضين التي نراها في مباريات الملاكمة حين يتعب اللاعبان إلى حد الإعياء، فما إن يلتقطا أنفاسهما حتى يعود الصراع من جديد وربما بحدة أكبر مما كانت عليه من قبل.

إن حاجز فياض وإن كان مفتاحا لما بعده يمكن أن يتم تجاوزه بصيغة ما ولعله على صعوبته الأقل ارتفاعا من الحواجز التي تليه، فهل يا ترى يصل المتسابقان إلى خط النهاية بسلام، أم أن سباق الحواجز سيتخذ شكلا دائريا لا أحد يعرف نقطة البداية من النهاية فيه؟

هذا تساؤل يدور على شفاه الفلسطينيين الذين ظنوا للحظة أن ساعة رحمائية هبطت على قلوب وعقول قادتهم فأهدوا الربيع العربي اتفاقا فلسطينيا بدا على مدى أربع سنوات كما لو أنه مستحيل.

كان هذا هو الظن يوم الاحتفال بالتوقيع وتبادل القبل والابتسامات، أما الآن فتبدو الأمور مختلفة، وأسأل الله أن نرى عكس ذلك.