جلعاد شاليط

TT

ثار غضب كثيرين من الصفقة التي تصر عليها إسرائيل والقاضية بمبادلة مئات الأسرى العرب بالجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. وهذه ليست المرة الأولى، وإنما هي القاعدة المعمول بها منذ عقود. والمؤسف جدا في المسألة أن كل فريق حدد قيمة أسراه. العرب حددوا قيمة العربي في بلاده، حرا أو أسيرا، والإسرائيليون حددوا ثمن جنودهم. وعلى المعترضين العرب أن يتفضلوا بالتذكر – إذا سمحت نفوسهم الكريمة – أن كتب محمود درويش، أعظم شعراء فلسطين، منعت في مكان واحد على الأرض هو ديار السلطة. ويحسن أن نتذكر أن البلد الوحيد الذي منع كتب الطيب صالح هو السودان. وهو على حق في ذلك، لأن النظام لم يقرأ من كتب الطيب سوى يومياته في مطار الخرطوم (طبعا الدولي). وفي بنغازي قررت جماعة من الشجعان إقامة حفل لتذكر الصادق النيهوم، أمير الأدب الليبي، فأرسل ولدكم خميس – أو ولدكم هنيبعل – ضابطا من كتيبته يحتل المكان، ويمنع الجراثيم والكلاب الضالة من الدخول.

كم قتل وسجن وشرد من العراقيين خلال أربعين عاما؟ القتلى أكثر من هيروشيما، والمشردون أكثر من فلسطين. لعل ذلك يعطي فكرة عن قيمة الإنسان العربي. أو عندما يتسبب رجل في تشريد مليون وقتل 15 ألفا، ثم يجلس للعب الشطرنج، مؤكدا «للشعب» الحاكم أنه لم يكن يوما أكثر من بيدق يحرك أو يبقى في مربعه طوال العمر. وعندما يعرف الغاضبون معدل الدخل (القومي أو الوطني أو القرموطي) في العالم العربي، ومعدله في إسرائيل، يعرفون أن الذي حدد قيمة العربي هو سيده. هو الذي يقول له، ببساطة جنونية: إنه بعد 5 سنين ستكون صنعاء بلا نفط ويكون الماء شحيحا. لكن العوض في الديمقراطية حيث ثبتت أقدامها خلال 33 عاما من الحياد والنزاهة والمساواة.

في ندوة على الـ«بي بي سي» يوم الاثنين الماضي حول أحداث مصر، كان هناك أب ملتاع يبكي طوال الوقت، ويسأل متى سيحاكم الشرطي الذي أطلق النار على ابنه وسبب له الشلل التام. وكم من الآباء في هذه الأمة يريدون أن يطرحوا على شرطييها وجنودها سؤالا واحدا: لماذا ابني وماذا لو كان ابنك؟! وكان هذا الشيخ الباكي غير القادر على الكلام يدعو الناس إلى زيارة الأحياء الفقيرة حيث لم يعد أمام الناس سوى أن تأكل بعضها البعض.

والغاضبون على معايير التقييم أحرى بهم أن يقوموا مرة بزيارة مخيم للاجئين الفلسطينيين، وأن يروا بأنفسهم أي قيمة بشرية أعطيت لهم. من العار أن نتذكر الفلسطينيين (والإنسان العربي) فقط كلما تذكر الإسرائيليون جلعاد شاليط.