ولكن ما هو الحب؟!

TT

كل الأدب، نثرا وشعرا، يدور حول: الحب والخير والحرية. في كل اللغات وفي كل العصور.. والذي لم يعرف الحب ليس إنسانا.. والذي لا يشعر بجوع الآخرين ليس إنسانا، والذي لا ينشد الحرية له ولغيره ليس إنسانا.

وكل الناس يتحدثون عن الحب الذي عرفوه أو الذي لم يعرفوه.. ولكن أكثر الكلمات الشعبية وأكثر التجارب إثارة هي الحب!

والحب كلمة من حرفين.. ولكن ما الذي صنعه الحرفان في الإنسان.. حرفان ولكن في هذين الحرفين كل المعاني والمخاوف والعذاب والهوان والكبرياء والجنة والنار..

إن الله سبحانه وتعالى خلق الدنيا من حرفين: كن! فيكون الكون من أوله لآخره.. من ذراته إلى مجراته!

ولكن ما هو الحب من الناحية العلمية؟ وهل يمكن أن يكون الحب علما؟!

الجواب: إن كل «العلوم» الإنسانية لا يمكن أن تكون علوما دقيقة مثل الفيزياء والكيمياء والرياضيات.. وكل العلوم التي تدور حول الإنسان وتنشغل به لا يمكن أن تكون علوما منضبطة. وإنما هي كالعلوم وليست علوما.. فعلم النفس ليس علما كالفيزياء.. فلا يوجد مقياس للحب والكراهية والغيرة والحقد والحسد والانتقام.. كل هذه كلمات ليست دقيقة.. ولا يمكن التعبير عنها بدقة.

ولكن المشتغلين بعلم النفس التجريبي حاولوا أن يعرفوا ما هذا الحب أو ما هذا الذي يصنعه بالناس.. فأقاموا عددا من التجارب على مئات المحبين.. فوضعوا المحب في غرفة والمحبوبة في غرفة أخرى وأجروا عليهما تجارب واحدة.. فكانت النتائج متشابهة تماما.. أي أن رد الفعل كان واحدا عند المحبين.. وكلما كان الحب عميقا كان رد الفعل مطابقا تماما..

والمعنى: أن الحب يجعل الناس متشابهين في السلوك.. في الفهم.. في رد الفعل..

أي الحب هو إعادة برمجة التفكير والسلوك الإنساني.

فكل إنسان له برنامج خاص به.. في تفكيره وفي سلوكه.

ولكن إذا تحاب اثنان فإنهما يحاولان بصفة مستمرة أن يتقاربا.. أن يتطابقا.. أن ينسجما.. أن يتزامنا.. وتكرار هذا السلوك المتقارب والمتفاهم يجعل المحبين متشابهين تماما.. وهذا يحدث بين الإخوة في الأسرة الواحدة أو في العلاقات.. أو حتى بين الشعوب.. فنجد أن هناك نوعا من التفاهم العام.. أو السلوك العام.. وأن العادات والتقاليد كلها هي نوع من التوزيع الأوركسترالي لنوتة موسيقية واحدة بين المحبين والأشقاء والأصدقاء وأبناء العائلة الواحدة أو الوطن..

ولكن ما هو الحب؟

لا إجابة.. أما هذا الذي نتحدث عنه فهو أثر الحب في السلوك الإنساني.. أو هذه هي قدرة الحب على «تمشيط» المشاعر الإنسانية.. وتنعيمها وانسجامها حتى تكاد تكون شيئا واحدا!