أعينوا الديمقراطية في محنتها

TT

ربما لاحظ القراء برودي وشكوكي حيال الربيع العربي. سيكون أفوله خيبة كبيرة ليس لنا فقط وإنما كذلك للغربيين الذين عقدوا عليه آمالا كبيرة. وكانوا السباقين في إطلاق هذه التسمية عليه. والغريب بالنسبة لي، كعاشق للديمقراطية، أن أشعر بالرعب رغم إيماني بها كلما سمعت عن دولة متخلفة تعقد العزم على تحقيق الديمقراطية بالانتخابات والاستفتاءات. هذه وصفة تسلم الحكم للغوغاء وهو ما تخوف منه جمهور الفلاسفة والمفكرين طوال التاريخ. دنيا السياسة والاقتصاد عالم في غاية التعقيد. وازداد تعقيدا في هذا العصر، عصر العولمة. أكثرية الناخبين في الشعوب المتخلفة أميون. من الحمق أن نتصور أن هذا الناخب الأمي سيفهم أسبقيات السياسة وحيثياتها بما يعجز عن فهمه كبار الأساتذة المتخصصين. هذا هو سر فشل الديمقراطية البرلمانية في الكثير من الدول المتخلفة. هذا ما يخيفني في مثل هذه الديمقراطية حين تصبح أقصر الطرق للديكتاتورية، فالفشل والتخبط والفساد واختلال الأمن وعدم الاستقرار الذي يصاحبها عندنا يفتح الطريق لرجل قوي يستسلم له الشعب خلاصا من الفوضى الضاربة أطنابها.

اعترف تقرير لجنة قانون الأحزاب السورية، الصادر مؤخرا، بعدم نضوج المواطنين سياسيا. وكان هذا في سوريا التي تعتبر من أكثر الدول العربية ثقافة وتعليما. وفي العراق بعد أشهر قليلة من القيام بالانتخابات والمساومات، حيث بقي البلد من دون حكومة لعدة أشهر، ما زال القوم ينعون نتائجها ويتناقشون في إصلاح الوصفة الانتخابية. راح بعضهم يدعو لإجراء انتخابات جديدة. ودعا بعضهم لتشكيل مجلس آخر يوازي هذا المجلس ويتشكل حسب وصفة مختلفة. وبالطبع هناك من يؤمن بإسقاط النظام والمجيء بحكومة جديدة.

العجيب في كل هذه المناقشات والتأملات أن أي أحد منهم لم يضع إصبعه على سر المشكلة. والسر ليس سرا ولكنه شيء واضح وبسيط. ما العيب في مجلس النواب الحالي في العراق؟ العيب واضح، وهو أن جل هؤلاء النواب انتخبهم ناخبون أميون أو أنصاف أميين. ولم يعد للعارفين والمثقفين والمهنيين الذين ننتظر منهم قيادة السفينة وتوجيهها غير دور هامشي زخرفي. فهم لا يشكلون غير أقلية.

ما الحل؟ الحل هو معالجة السبب بنقل الثقل الانتخابي بعيدا عن الأمية وترجيح كفة المتعلمين بحصر حق الاقتراع بحملة الشهادة المتوسطة أو الثانوية. بالطبع، يعني ذلك حرمان الأمي من حقوقه السياسية مما يعتبر خرقا لحقوق الإنسان سيعترض عليه الآخرون ويثور عليه المثاليون. ولكن إذا كان العلاج يقوم على الكي فهلموا بالكي. الدول الغربية التي ستعترض على هذا الترتيب، لم تنل رقيها ورخاءها إلا بعد أن مارست هذا العلاج ذاته ولم تعط حق الاقتراع للجميع إلا بعد أن طبقوا التعليم الإلزامي ونفذوه ولم يعد بينهم غير حفنة من الأميين. الحقيقة أن أم الديمقراطيات، بريطانيا، اتبعت هذا الحل عندما استفتت السودانيين لتقرير مصيرهم. وطبقت أميركا نفس الوصفة حتى الستينات من القرن الماضي.

لا بد من إنقاذ الديمقراطية من يد الجهلة والجاهلية. أهناك مؤامرة لمنعنا من النهوض بفرض هذه الديمقراطية العليلة علينا؟