إرث لم ينته لبترايوس داخل أفغانستان

TT

كابل - قبل أسبوع، وفي وقت متأخر من الليلة التي أعلن فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه قد يسحب القوات من أفغانستان بسرعة أكبر مما يرغب فيها الجيش، عقد الجنرال ديفيد بترايوس اجتماعا عبر الفيديو كونفرانس من واشنطن مع أعضاء بارزين في طاقمه، تجمعوا داخل كابل من أجل اجتماعهم في السابعة والنصف صباحا. طمأنهم بترايوس بأن خطة حملته لا تزال «عملية»، حتى مع تراجع أعداد أقل بمرور الوقت، وطلب منهم أن يبقى في موقف الهجوم.

وكان هذا الوصف تحركا تقليديا من بترايوس، وهو تعبير عن التفاؤل والإصرار ومعه سياسة واقعية. لا بد أنه كان محبطا، ولكن أبقى ذلك مستترا على نحو جيد، وأوضح لفريقه أن قرار الرئيس تحدده عوامل أوسع من الجدول الزمني المفضل للجيش.

سوف يترك بترايوس قيادة قوات الناتو في يوليو (تموز)، في وقت تكون فيه نتائج الحرب الأفغانية بعيدة كل البعد عن وصفها بنتائج مؤكدة. لم يحقق نفس التحول الحاسم الذي تحقق في العراق، حيث أشرف على زيادة في القوات الأميركية جنّبت البلاد الانزلاق إلى حرب أهلية. ولكن برهن الصراع داخل أفغانستان على أنه أكثر صعوبة.

يقول بترايوس إنه عرف منذ البداية أن حدوث «تحول» سريع داخل أفغانستان مستحيل. ولكنه لا يزال واثقا من أن استراتيجيته القائمة على محاربة الإرهاب قد تؤتي ثمارها هنا، حتى مع قيام الولايات المتحدة بسحب قواتها. ويقول إن تعريف النجاح سيكون بنقل مسؤولية الأمن إلى الأفغان بحلول 2014، عندما ترحل القوات المقاتلة الأميركية.

وبالفعل يقوم سياسيون من كلا الحزبين بإسقاط أفغانستان من حساباتهم بوصفها قضية خاسرة. ولكن يقول بترايوس إن زيادة القوات في ديسمبر (كانون الأول) 2009 بدأت تحقق ثمرة، على الرغم من تغير مزاج واشنطن إزاء الحرب: لقد تراجع معدل أعمال العنف خلال الأسابيع الأخيرة بنحو 5 في المائة بالمقارنة مع المعدلات قبل عام وفشل مقاتلو حركة طالبان في استعادة السيطرة على معقلي قندهار وهلمند اللذين أخليا في 2010. ويصر بترايوس على أن القوات الأفغانية يتحسن أداؤها وأنهم يتكبدون قتلى ثلاثة أضعاف ما تتكبده قوات الناتو.

ولكن تبدو الجوانب السلبية واضحة لكثير من المراقبين، حيث ما زالت حكومة حميد كرزاي تعاني من انتشار الفساد داخلها، والحكم بمختلف أنحاء البلاد إما ضعيف وإما غير موجود أساسا، وتعاني أفغانستان من اختلال وظيفي.

سيبقى مؤرخون عسكريون يتجادلون حول إرث بترايوس لأعوام مقبلة. إنه يعد الجنرال الأبرز في جيله، وتم الاحتفاء به كشخص معجز بعد إنقاذ بغداد، ولكن لا يزال بعض الزملاء يرونه سياسيا بصورة مبالغ فيها. وبصورة ما، فقد كان القائد العسكري المفضل لكل من جورج دبليو بوش وباراك أوباما، الذي يأتي به من كابل ليرأس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

وخلال مقابلة أجريت معه داخل مكتبه، عرض بترايوس تقييما غير معتاد للذات عندما طلبت منه أن يذكر نقاط قوته وضعفه كقائد عسكري.

جاء على رأس قائمة الإيجابيات إنشاؤه الشرطة المحلية الأفغانية، وهي مبادرة أمنية اتجهت من القاعدة إلى الرأس تعترف بالتشكيلة القبلية داخل أفغانستان ورفضها كرزاي في بادئ الأمر ثم تبناها بعد ذلك. كما ذكر حملة مكافحة الفساد، التي تولاها مستشاره القديم بريغادير جنرال إتش آر ماكماستر. وذكر عمل إطار لفترة انتقال للسيطرة الأمنية الأفغانية، محافظة وراء أخرى، ستبدأ الشهر المقبل.

سألت بترايوس عن القضية الأوسع الخاصة بأسلوب قيادته، الذي يعد مركزا ومكثفا، حتى وفقا للمعايير العسكرية. وهناك مثال مصغر وهي الطريقة التي نظف بها مقر تحالف الناتو بعد أن كان فوضويا ومتهالكا إبان قادة سابقين. إن ما قام به بسيط ولكنه حاسم: يقول إنه مشى حول المجمع مع قائد القاعدة لمدة ثلاثين دقيقة وأخبره بما يقوم به. وسرعان ما جاءت المكانس وفرش التلوين.

وركز نقد بترايوس الذاتي على مجالات أدت إلى خلاف مع المواطنين الأفغان، مما قوض هدف مكافحة التمرد. ويقول إنه كان يجب أن يتحرك بسرعة أكبر لكبح جماح المتعهدين الأمنيين من القطاع الخاص، الذي كان وجودهم يثير الأفغان كثيرا. وكان يجب بذل جهود أكبر لتقليل الإصابات بين المدنيين التي تسبب فيها التحالف، والتي تراجعت بالفعل ولكنها لا تزال تثير غضب كرزاي والمواطنين. الشيء الذي يصعب تخيله أنه بعد 37 عاما في القوات البرية، سيخلع بترايوس أخيرا زيه الرسمي المثقل بشرائط تعبر عن طموحه وإنجازه. ويقول إن ما سهل الأمر أنه ينضم إلى «عائلة» خدمة أخرى داخل وكالة الاستخبارات المركزية. ويقول إن الأمر ربما كان أكثر صعوبة لو كان سيذهب إلى الشاطئ ليفكر في عمل يدر أرباحا أو عروضا لكتابة الكتب.

خلال الأسبوع المقبل سيحتفل بترايوس بيوم الاستقلال وهو في منصب قتالي للمرة السابعة خلال الأعوام التسعة الأخيرة. ويقول إن «مشاهدة الاستعراض الأخير» ربما «تظهر آثاره بدرجة أكبر خلال الأسابيع المقبلة».

* خدمة «واشنطن بوست»