وجهة نظر مغايرة دفاعا عن الناتو

TT

هل انتهت فاعلية حلف الأطلسي؟ هذا التساؤل طرحه الصحافي والمؤرخ البريطاني جيفري ويتكروفت في مقاله في 16/6/2011، يعلق فيه على خطاب روبرت غيتس، الذي اتهم فيه وزير الدفاع الأميركي النشط أعضاء حلف الأطلسي الآخرين بعدم الدفع بثقلهم. ستانلي سلوان، مؤلف كتاب «أهو تحالف دائم؟ الناتو وصفقة عبر الأطلسي من ترومان إلى أوباما» ينضم إلى النقاش.

قبل عدة أسابيع حذرت المشاركين في المؤتمر الذي عقد برعاية الناتو بشأن استراتيجية الردع المستقبلية التي ستجعل من الناتو هدفا لتجدد الانتقادات من الجانب الغربي للأطلسي. وأشرت إلى أن الخبراء والمسؤولين الدوليين الحاضرين سألوا أنفسهم «هل يمكن أن يقتنع الشعب الأميركي بأن استراتيجية الردع للناتو تهدف إلى خدمة المصالح الأميركية أم أنها لحماية الملاعين الأوروبيين؟».

الكلمة التي ألقاها وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس فتحت الأبواب أمام مجموعة كبيرة من التكهنات بشأن موت التحالف. وتحدث غيتس بشكل موسع عن أنه تنبأ بمثل هذه النتيجة. والحقيقة أنه لم يفعل ذلك. لكنه بدلا من ذلك حذر من أنه إن لم يوسع الأوروبيون من إسهاماتهم فإن مستقبل التحالف سيكون موضع شكوك. كان التحذير ملائما في توقيته، لكن الكثير من التكهنات التي تلت الكلمة كانت تفتقر إلى الرؤية السليمة.

يشكو منتقدو الناتو من أن أوروبا ككل تمتلك من عدد السكان والناتج المحلي الإجمالي ما يتجاوز الولايات المتحدة، وهو يفرض عليها بذل جهد عسكري أكبر من الجهد العسكري المتواضع الذي تقدمه في الوقت الحالي، لكن الإحصاءات وحدها لا تقدم الحقيقة كاملة، لأن أوروبا غير موجودة، فهي ليست دولة ذات سيادة قادرة على طلب الموارد من كيان واحد مستقل لدعم دوره كقوة عالمية. ورغم المزاعم التي يطلقها البعض في أوروبا والمثالية من قبل البعض في الولايات المتحدة ـ ظهرت جلية على سبيل المثال في تعليقات سروَر كشميري في «عالم الناتو السريالي.. وجهة نظر مخالفة» - 23 يونيو (حزيران) ـ فإنه لا يتوقع أن تقوم أوروبا على تطوير دفاعات وسياسات خارجية حتى يقرر أعضاء الاتحاد الأوروبي تشكيل اتحاد سياسي كامل، وهو أمر لا يتوقع أن يحدث في أي وقت لاحق، وإضافة إلى هذه الوقائع، فإننا نحن الأميركيين قضينا عقودا في أعقاب الحرب العالمية الثانية نقنع الألمان بأنهم لا ينبغي عليهم استعمال القوة بصورة عدائية، ومن ثم أصبح من السهل أن ندرك القيود التي فرضها الألمان على أنفسهم، وربما يكون من حسن الحظ أن الألمان ينفقون على الدفاع الآن (إضافة إلى المساعدة في إنقاذ اليونان وأعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين الذين عصفت بهم أزمة الديون)، علاوة على ذلك، كيف يمكن لواشنطن أن تتوقع أن يقدم الأوروبيون إسهامات نشطة في أفغانستان بعد تصريح واشنطن بأنها ليست في حاجة إلى مساعدة الأوروبيين، ثم نأتي لنضع أفغانستان في المرتبة الثانية من أولوياتنا، نظرا لتركيزنا على العراق. والآن، يظهر الأوروبيون نفس الضجر من استمرار تعهد واشنطن في أفغانستان وهو الذي نشهده الآن في الولايات المتحدة.

هذا لا يعني القول بأن علينا ألا نواصل الضغط على الحكومات الأوروبية لتقديم المزيد، لكنه سيكون من غير الواقعي إضافة المزيد من الموارد الأوروبية والقول بأن عليهم بذل المزيد من الجهود كقوة عظمى.

لقد كان رد الفعل الأميركي تجاه خطاب غيتس مؤثرا، على مستوى جميع الأطياف السياسية. الجميع يعرف أن التحالف ليس تسوية مثالية بأي صورة. ويأتي تحقيق المكاسب من دون أي عناء كنتيجة مشؤومة ولكنها حتمية للتعاون بين قوى كبرى وقوى أصغر، غير أنه رغم كل النقد، كان هناك نقص ملحوظ في الخيارات الاستراتيجية الأميركية المتاحة، بخلاف الاستمرار في التعاون الوثيق مع حلفائنا الأوروبيين.

إن الولايات المتحدة وحلفاءها بحاجة بالطبع إلى توطيد أواصر التحالف فيما بينهم. وتتمثل إحدى الوسائل للقيام بذلك في التركيز بشكل أكبر على التعاون في اتخاذ ردود فعل عسكرية تجاه التحديات الأمنية، مع تشجيع الأوروبيين على التعامل مع التزاماتهم العسكرية بصورة أكثر جدية، غير أنه إذا حاولت الولايات المتحدة استخدام أسلوب العلاج بالصدمة، كما ينصح بعض المؤيدين له، فربما لا تحقق النتائج المأمولة، وربما يؤثر أعضاء حلف الناتو عقد صفقات خاصة بهم – بعضها مع أعضاء آخرين في الاتحاد الأوروبي وبعضها مع الولايات المتحدة وبعضها مع روسيا..إلخ.

في واقع الأمر، ربما تنشأ أوروبا موحدة تخوض المنافسة ضد الولايات المتحدة بدلا من التعاون في العمل معها. وهناك شكوك كافية تنم عن أن أميركا يحتمل أن تكون في وضع أفضل إذا ما حاولت دعم تحالفها مع الناتو بدلا من القضاء عليه أو التقليل من قيمته.

وعند البحث عن بدائل لحلف الناتو، ينصح بالقيام بجولة حول العالم والبحث عن دول أخرى يمكنها أن تكون على استعداد ولديها القدرة مثل الأعضاء الأوروبيين في حلف الناتو للمساهمة في جهود الأمن الدولي بالتحالف مع الولايات المتحدة. إننا نواجه تحديات أمنية في آسيا، غير أنه لا يوجد أي احتمال قائم لإيجاد حلفاء منظمين هناك يمكنهم أن يمدوا أيديهم للتعاون معنا.

وقبل إلقاء حلف الناتو في مزبلة التاريخ، علينا نحن الأميركيين أن نسأل أنفسنا عمن سيحل محله، وما إذا كان سيخدم المصالح الأميركية أيضا أم لا. في الوقت نفسه، يحتاج حلفاؤنا الأوروبيون إلى أن يسألوا أنفسهم عما إذا كانوا يرغبون في تشجيع استمرار الدعم الأميركي للتحالف، وفي تلك الحالة، عليهم تحديد ما هم مستعدون للقيام به للفوز بهذا الدعم.

* خدمة «نيويورك تايمز»