كتاب عن كتب!

TT

إذا ذهبت إلى أي مكتبة ولم تشتر كتابا واحدا.. ولا يهمك.. فليس من الضروري أن يحصل الإنسان على كل ما يريد.. ولا من الضروري أن الذي يعجبني يجب أن أقتنيه. فنحن جميعا نحب القمر والنيل والنسيم والحقول الخضراء.. فمن الذي يملكها؟ ربما تجد من يملك حديقة لا يراها.. ولا يستمتع بها!

وأنا أقول لك بعض تجاربي في القراءة، وتجاربي كثيرة وطويلة.. ولا أقول إنها أحسن ما يمكن أن يعايشه إنسان.. ولكنها جزء من تاريخ عريض في صناعة الكتابة وفن القراءة.

كانت الكتب التي وجدتها في بيتنا دينية، وكانت كثيرة وكبيرة، صفحاتها عريضة، لونها أصفر، لم يفكر مؤلفوها أن قراءها سوف يكونون من الأطفال. وإذا حاول طفل أن يقرأها فلا بد أن يحملها بين ذراعيه وأن ينحني عليها ليقرأ حروفا ملتوية في كلمات متداخلة ونقط خفية.. وإذا قرأ فعليه أن يفهم.. وإذا لم يفهم وجب أن يسأل.. وإذا سأل فلن يجد أحدا يطاوعه.. إذن كان لا بد أن يقرأ وأن يفهم وأن يصبر!

وفي طفولتي كان أناس كثيرون مثل هذه الكتب؛ ننحني على أيديهم كما ننحني على صفحاتها.. ونقبل الجميع: المصحف والكتب وأيدي الناس الكبار من علماء الدين والأكبر سنا..

ولم أتصور أن هناك كتبا أخرى في أي موضوع ليس دينيا.. أو أصغر حجما.. فهي – إذن - بداية جادة حزينة جافة أيضا.. وكان أعظم اكتشاف في طفولتي أن وجدت «روايات الجيب» كتبا صغيرة لها أغلفة ملونة، وأحيانا عليها صور ويمكن وضعها في جيبك وقراءتها وأنت ماش.. وأنت نائم.. في أي وقت وعلى أي وضع.. وموضوعاتها ليست دينية. بل حكايات كلها بوليسية.. مثيرة ممتعة ولا تشبع منها، بل أنت متلهف عليها وعلى المزيد منها.. فعندما عرفت روايات الجيب، عرفت المتعة والتسلية والرغبة المؤكدة في القراءة..

وفجأة ظهرت كتب أخرى أصغر حجما وأجمل غلافا وهي كتب دينية: إذن فمن الممكن أن يكون الكتاب دينيا وسهلا ومسليا ويوضع في الجيب ورخيص الثمن.

ورحت أبحث عن الكتب ذات الأغلفة الأنيقة ورخيصة الثمن والتي تريحك إذا قرأتها ماشيا أو نائما أو جالسا، ولست مضطرا أن تنحني عليها تقبلها أو تخشى أن تقع منك، بل تقع ويقع عليها الطعام.. لا خوف وليس حراما!

وفجأة وجدت نوعا آخر من الكتب إنها أجمل وأمتع الكتب التي ظهرت أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية: الرقص على البارود.. المرأة لعبتها الرجل.. الشيطان لعبته المرأة.. ففي هذه الكتب أناقة الطبع وأناقة العبارة!