الخطر المتنامي في كابل

TT

جاء الهجوم المميت على فندق إنتركونتيننتال في كابل ليل الثلاثاء الماضي في الوقت المناسب ليذكر بمدى هشاشة الوضع حتى بعد مرور عقد من الزمان على دخول القوات الأميركية لأفغانستان. من سائقي سيارات الأجرة إلى البرامج التلفزيونية، تضج كابل بأنباء هجوم طالبان على العاصمة. إذ قام الهجوم العنيف على الفندق - الأشبه بقلعة - بإلقاء الضوء على تخوف متعاظم في أرجاء البلاد بأنه ما هي إلا مسألة وقت قبل أن تنزلق أفغانستان في براثن الحرب الأهلية من جديد.

مع إعلان البيت الأبيض الأسبوع الماضي عن خطط الإدارة لسحب 33 ألف جندي أميركي بحلول سبتمبر (أيلول) عام 2012، يبدو أن الحرب التي طال أجلها قد دخلت عامها الأخير بالنسبة للأميركيين. غير أن معظم الأفغان يدركون أن القتال سيستمر لزمن طويل بعد مغادرة القوات الأجنبية، كما أنهم يدركون أن خطط نقل السيطرة الأمنية بشكل كامل إلى القوات الأفغانية ما هي إلا مجرد إيهام لإراحة الأميركيين سياسيا.

وقد أظهر المتمردون تصميما مذهلا على فضح ضعف الحكومة الأفغانية منذ إعلان الرئيس الأفغاني حميد كرزاي في أواخر شهر مارس (آذار) الماضي عن خطته لبدء الانتقال الأمني في العاصمة وست مناطق أخرى في البلاد للسيطرة الأفغانية قبل يوليو (تموز) من هذا العام. ولكن منذ ذلك التصريح، قتل نحو 50 شخصا على الأقل وأصيب العشرات بجروح جراء هجمات شنها متمردون في 4 من أصل 7 مناطق اختيرت للعملية الانتقالية الشهر المقبل. كان الهجوم الأخير على فندق إنتركونتيننتال ضربة استراتيجية، إذ إنه وقع قبيل ساعات فقط من موعد انعقاد مؤتمر لحكام المقاطعات الأفغانية بشأن خطة الانتقال. لا يزال التحقيق في الهجوم جاريا ولكن نظرا لنمط الهجمات السابقة في العاصمة، لا يمكن استبعاد تمكن المنفذين المسلحين من تمرير أسلحتهم عبر نقاط التفتيش الأمنية بفضل رشى تلقاها بعض أعضاء الحكومة.

يمكن لمسؤولي حلف الناتو أن يقولوا ما يشاءون عن علامات إحراز تقدم، ولكن الحقيقة تبقى أنه فيما تستعد كابل لعملية الانتقال إلى السيطرة الأفغانية خلال بضعة أسابيع فقط، لم تبدُ الحكومة أكثر ضعفا مما هي عليه اليوم. ويدفع الهجوم في قلب العاصمة الأفغانية إلى التساؤل عما إذا كان الوقت حان بالفعل لإجراء مفاوضات مع طالبان؟

ليس ثمة من هو أكثر قلقا بشأن إيجاد إجابة لهذا السؤال من المواطن الأفغاني. ففي حين أن الرغبة في وضع حد للصراع حقيقية، إلا أنه يعادلها خوف حقيقي ومتفشٍ من عودة طالبان للسلطة. هناك تصور سائد بأنه لمحاولة كرزاي اليائسة للبقاء في كرسي السلطة فهو مستعد للتعامل مع الجهاديين المتشددين حتى ولو أدى ذلك إلى انهيار البلاد. بدأ العديد، وهم محقون في ذلك، في التساؤل عن المنطق وراء عقد صفقات مع المتمردين الذين يبدو أنهم مصممون على قتل المدنيين وإرجاع عقارب التقدم الضئيل الذي تم إحرازه في البلاد إلى الوراء. وعلاوة على ذلك، كيف يمكن لأحد أن يتوقع من طالبان أن تستجيب لمطالب الحكومة باحترام الدستور الأفغاني في حين لا يظهر الرئيس نفسه أي احترام لسيادة القانون؟

تغذي انتهاكات كرزاي المتكررة لحرمة المؤسسات الديمقراطية القوى الكامنة وراء الأحداث الأخيرة في أفغانستان بقدر ما تغذيها شهية حاشيته التي لا يمكن إشباعها والتي تلهث وراء الربح من اقتصاد مبني كليا على الحرب. وحتى بعد الشروع في الاستعدادات للمرحلة الانتقالية الأمنية، يبدو النظامان السياسي والاقتصادي في البلاد على شفا الانهيار. أما قرار محكمة الانتخابات الخاصة بإقالة 62 من أصل 249 نائبا منتخبا على خلفية الجدال الذي طال أمده بشأن الانتخابات التي شابتها أعمال تزوير سبتمبر الماضي فقد أثار أزمة دستورية ذات أبعاد أسطورية.

وفي هذه الأثناء تستعد كابل برمتها لانهيار وشيك فيما تستمر المجابهة الدائرة بين صندوق النقد الدولي والحكومة الأفغانية بشأن الإصلاحات المصرفية الضرورية في ظل استمرار أزمة «بنك كابل». ولكن لا يزال تدفق المليارات من المساعدات الدولية والضمانات الجوفاء من كل من واشنطن وبروكسل مستمرا.

على بعد أقل من 30 كيلومترا من العاصمة، لا يزال الوجود الحكومي منخفضا نسبيا، فالمحافظات الواقعة على حدود كابل حيث يعيش خمس سكان البلاد غير آمنة. اكتسب كل من طالبان والحزب الإسلامي ومقاتلي جماعة سراج الدين حقاني زخما في قلب أفغانستان من خلال تنصيب حكومات الظل وشن حملات اغتيالات فيما يقومون باستمالة مسؤولي الحكومات المحلية اللاهثين وراء نصيبهم من اقتصاد الحرب. وبالإضافة إلى الرواتب والمكافآت التي تتلقاها طالبان من قادة المتمردين في باكستان، استفادت طالبان وغيرها من حركات التمرد بشكل كبير من الفساد المستفحل في وكالات الأمن الأفغانية التي سمحت للمتمردين بالتسلل داخل وحدات الشرطة والجيش في المقاطعات الشرقية في وسط البلاد ككابل وغزني وغمان وانتزاع الملايين من الدولارات من المقاولين الأفغان والدوليين الموكلين لحماية خط إمدادات حلف شمال الأطلسي. ستتطلب إزالة الدوافع الفاسدة التي تغذي الصراع أكثر من مجرد عقد مؤتمرات وإصدار خطط استراتيجية. ستزداد العملية الانتقالية فوضوية ما لم يتم تحقيق توازن أفضل بين شن أعمال عسكرية ضد التمرد في الجنوب ومواجهة الأسباب الجذرية للتمرد في كابل. إذ يشكل الفساد والانفلات الأمني ووجود حكومة متوحشة المحرك الأساسي للنزاع. وإذا أراد كرزاي لحكومته أن تبقى على قيد الحياة ما بعد عام 2014 سيكون من الأفضل له أن يكرس وقتا أقل لعقد الصفقات ووقتا أطول لإعطاء الأولوية لسيادة القانون.

* محللة في شؤون أفغانستان لدى «مجموعة الأزمات الدولية» مقيمة في كابل