زيارة الرئيس

TT

يقوم رئيس وزراء الكويت الشيخ ناصر الأحمد بزيارة إلى دول الخليج هذا الأسبوع، على خلفية حراك سياسي لبعض أعضاء مجلس الأمة الذين قدموا في حق الرئيس استجوابا، كان من ضمن محاوره خلل العلاقة بدول الخليج. وقد فشل ذلك الاستجواب كغيره، خاصة في نفي الادعاء أن الكويت قد خرجت من سرب مجلس التعاون، وهو ادعاء تثبت الزيارة المتوقعة من جديد عدم استناده إلى حقائق، غير التأجيج السياسي الذي يخلط الأوراق ويضع الرئيس في مرمى الاتهام السياسي غير المحق، فالكويت كانت وما زالت أحد أركان التعاون الخليجي الثابت، وبهذه الزيارة يعاد التأكيد، بعد التشكيك، على أن مستقبل الكويت مرتبط بأشقائها في الخليج، كما ارتبطوا هم بها إبان احتلال النظام العراقي.

هذه ليست المرة الأولى التي يزور فيها رئيس الوزراء الكويتي الحالي دول الخليج، فقد زارها عددا من المرات بصفاته المتعددة، كوزير إعلام في الثمانينات، وكوزير للديوان الأميري، وأيضا كرئيس وزراء، وآخرها كانت زيارة الدوحة قبل أشهر مضت. ولأن الشيخ ناصر ذو شخصية اتصالية من الدرجة الأولى، فهو يرتبط بأشخاص الزعماء والمسؤولين الخليجيين ارتباطا وثيقا، البعض إما لا يعرفه أو يعرفه ويريد تجاهله.

إلا أن هذه الزيارة لها أهميتها في ضوء الحراك السياسي الداخلي الكويتي والتطورات الإقليمية أيضا، فالحرائق التي تشتعل في المنطقة العربية تحتاج إلى تنسيق على أعلى المستويات، ورئيس الوزراء الكويتي الذي حاول البعض أن ينسب إليه ما ليس فيه كان حريصا على الحفاظ على العلاقات المتوازنة، خاصة مع عمق الكويت السياسي والاجتماعي، وهي دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. ما تحمله الرئيس من نقد في أجواء سياسية كويتية مضطربة، اعتبره ضريبة واجبة للعمل في جو العمل الديمقراطي، ومن حق المواطنين أن يعرفوا ويتابعوا ما يدور على أكثر وجوه الأمر شفافية.

تأتي الزيارة على خلفية انتهاء مجلس الأمة الكويتي من دور الانعقاد الثالث في الفصل التشريعي الثالث عشر، بعد الانتهاء من تمرير أكبر ميزانية تنموية للدولة عرفتها الكويت، وقد بلغت أكثر قليلا من 19 مليار دينار كويتي، وهي تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث إن خطط التنمية الموضوعة يمكن في حال عدم تعويقها أن تنقل الكويت نقلة نوعية. كما أن الفصل التشريعي المنصرم شهد عددا من الاشتباكات السياسية التي شغلت الرأي العام الكويتي. فمن جهة كان الاشتباك الشهير باليد بين بعض أعضاء مجلس الأمة، كما كان الاشتباك بالكلمات شبه دائم في صراع غير مسبوق هو ما اتصفت به هذه الدورة. في العادة عندما يقترب انتهاء التفويض الشعبي لأعضاء المجلس (الانتخابات القادمة في مطلع عام 2012) تكثر مشاحنات الأعضاء، حيث ينظر كثيرون إلى أن طريق العودة إلى الكرسي البرلماني مرة أخرى مشروط بمناكفة أكبر وأعظم للحكومة وأفرادها على موضوعات شعبوية، كي يسترد البعض صورتهم في الشارع، أو يقوموا بتلميعها من جديد، استعدادا لمنازلة أخرى، وذاك أحد معوقات العمل السياسي الكويتي، كونه فرديا في غياب العمل المنظم لأحزاب سياسية تلتزم بأجندة واضحة.

الوضع الداخلي الكويتي في هذا الفصل العاصف شهد استقالة الحكومة ومن ثم إعادة تشكيلها، كما شهد خطابا حاسما من أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، في منتصف يونيو (حزيران) الماضي، تركز جله على تحذير من الممارسات غير المنضبطة والخاطئة لبعض أعضاء السدة البرلمانية، والتضحية من بعضهم بالمؤسسات في سبيل تسجيل المواقف، بعد تأكيده على أن الدستور وحمايته وهو جوهر العملية الديمقراطية في مأمن من أي عبث كان، كونه هو حارسه والساهر على بقائه. الخطاب ذاك جاء على خلفية اشتداد اللغط السياسي من جهة، واكتشاف بعض المجموعات التي لها علاقة بما سمته الصحف الطابور الخامس، الذي يعمل بإيحاء من مصالح حزبية أو إقليمية مجاورة لزعزعة الأمن.

من هنا فإن زيارة رئيس الوزراء الكويتي هذا الأسبوع تحمل العديد من الملفات الساخنة.. تحمل أولا كيفية تعضيد التعاون الخليجي وسد الفراغات التي اعتبرها بعض الإعلام فراغات قد يدخل منها الشر، كما أن ملف التعاون مع الأردن والمغرب اللذين تتواصل معهما الكويت منذ فترة على أعلى مستوى سيكون طرفا في المشاورات.. بجانب الملف اليمني، وهو الخاصرة الجنوبية للخليج، والخلل هناك سرعان ما يؤثر سلبا على الجسم الخليجي قاطبة.. بجانب ملفات التغييرات الحادة في البلاد العربية التي يمكن أن يلهبها الصيف سخونة أكثر مما هي عليه، كما أن أفق تطوراتها مفتوحة وقد تكون مفاجئة.

لقد تبين أن الساحة الداخلية في جميع دول الخليج لها ارتباط مباشر بالساحة الخارجية، وأن الأخيرة تؤثر على الأولى، فما إن وضعت الساحة المحلية في الكويت النقاشات السياسية الدائرة والتي استهلكت الكثير من الوقت إلى راحة مؤقتة، حتى التفتت الكويت بقيادتها السياسية إلى الساحة الخليجية. الحرص على عدم المساس بالأمن الداخلي الكويتي وعلى أن الفرقة الداخلية تشجع التدخل الخارجي هو الذي شغل الكويت في الأشهر الأخيرة، وهي صيغ عاد إليها أمير الكويت في خطابه التاريخي في منتصف الشهر الماضي، الذي أنهاه بقول لافت، حيث قال «الحكيم من اتعظ بغيره»، ويدل ذلك على تلمس القيادة الكويتية سخونة الحرائق التي تشتعل في أكثر من مكان في شرق المتوسط وغربه، وأنها حرائق النجاة منها تأتي بالاتساق في الجبهة الداخلية، والتنسيق عالي المستوى مع العمق الخليجي، الذي يشارك الكويت في مشاعر القلق مما يدور.

دور الانعقاد القادم لمجلس الأمة الكويتي، وهو الأخير في المجلس الثالث عشر، سيكون حاسما، ومن الآن حتى انعقاده في 25 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل ستجري مياه كثيرة في المنطقة من جهة، وعلى الجبهة الداخلية من جهة أخرى لجهة تصعيد الأقوال التي شهدت انحدارا في لغة الحوار غير مسبوقة، إلا أن المهم هو أن ورقة البعد الخليجي تكون قد سحبت من التداول السياسي بعد الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء، ويبقى الخلاف الداخلي الذي من المتوقع أن يؤجج بسبب قرب انتهاء الفصل التشريعي ومحاولة تسجيل الأهداف السياسية، والتطورات مفتوحة على كل الاحتمالات.

بيت القصيد أن الممارسة الديمقراطية الكويتية، على كل سلبياتها، قد استطاعت أن تبحر في الجو العاصف والمليء بالمطبات، بأقل ما يمكن من الخسائر، وذلك محسوب لها لا عليها، حيث استطاع الكويتيون، من خلال المؤسسة البرلمانية، أن يقلعوا شوكهم بأيديهم.

آخر الكلام..

إحدى المقولات التي يتم تداولها عن جيمس ماديسون، أبي الاستقلال الأميركي، أنه قال «خذ مني حريتي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأبق لي حرية القول، أستعيد من جديد كل حرياتي»!!