ربيع عربي بدون أزهار!

TT

ليس هناك من يحن لأيام الاستعمار والانتداب أكثر من أستاذنا (خالد القشطيني)، وله في ذلك قناعات وأمثال واعتبارات بعضها مقنع جدا، وبعضها مستفز جدا، وأكثرها يدعونا إلى التفكير والمقارنات.

وبحكم أننا في عصر (الربيع) العربي الذي لم نشاهد له إلى الآن أي أزهار.

وبحكم أن مصر (المحروسة) ما زالت تتخبط بعيونها الاستشعارية.

وبحكم أننا نحبها ونخاف عليها، ونقول: الله يستر.

كل هذه المخاوف أعادت ذاكرتي إلى الوراء أكثر من (84) سنة، أيام ما كان الاستعمار البريطاني يضرب أطنابه في مصر - وأظن والله أعلم أن الرئيس السابق (حسني مبارك) ولد في تلك السنة عام 1927 - ووجدت في مجلة منقرضة يقال لها (المستقبل) هذه الأبيات الشعرية الزجلية أوردها كاتبها على لسان (جون بول)، وهو الرمز الحركي المتداول لإنجلترا، وذلك عندما أراد (بول) تشكيل وزارة، وجاء فيها:

حيث إن الحالة صارت مسخرة - والبلد مش فاهمة إيه اللي جرى

وبما أني أنا قاعد هنا - لأجل ما أعرف شغلي وأحكم في الورى

فأنا المندوب عن ست البلاد - صاحبة الوادي العظيم إنجلتره

قد أمرنا بالذي يأتي بما - أن حالة مصر راح تمشي وره

الوزارة راح تؤلف هكذا - تمشي بالعافية ومن غير مشورة

وعين وزير الأشغال قائلا له:

أنت يا سيدنا بتعرف هندسة - طويل البال وبتحب الكرة

قد وضعناك وزيرا صامتا - يا الله على الأشغال جنب القنطرة

ثم إلى وزير الأوقاف:

وأنت يا مسيو تعال خذ هنا - كن وزير الوقف للبيع والشرا

تختم الأوراق تجهل ما بها - بس شغلك عمة مطرطرة

ثم إلى وزير المعارف:

وأنت خذ ختمك وروح على المصطبة - في المعارف تلتقيها منورة

راقب الأولاد وروج شغلنا - بطل النحوي وخليه نقورة

الإنجليزي ينتشر من غير خشا - في البلد من بورسعيد للعطبره

ثم إلى وزير الخارجية:

وأنت يا أفندي خذ - في الدوسيه تلقى أوامر محضرة

شغلتك تمضي على اللي نكتبه - اوعى تتقنزح وتعمل سيطرة

أنت تشريفاتي لك ماهيتك - امشي دوغري والأمور مدبرة

ثم إلى وزير الحربية:

أما في الحربية مش لازم لنا - لكن أنت يا ابن ناس متغندرة

طيب عشان خاطر ولادك حاعينك - عند اسفنكس كدمية مصبرة

وختمها قائلا لرئيس مجلس الوزراء المعين:

وأنت يا روحي تعا قرب هنا - راح نوديك فيها من غير تذكرة

أنت فاهم وإحنا فاهمين اصطبح - لخبطك مقلب أجيبك عالثرى

خش كل عيش من المشنة واعتبر - يا اللي فات من فعل أهل المقدرة

والغريب أن المندوب السامي البريطاني تقبل تلك السخرية بروح رياضية، إلى درجة أنه طلب ترجمة ذلك الزجل، وأرسله لإحدى الصحف البريطانية ونشرته في صفحتها الأولى.

[email protected]