المنفتحون!

TT

يبدو أن العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والإخوان المسلمين بمصر أبعد من مسألة غزل متبادل، فالواضح أن العلاقة قديمة، وقد يكون نتج عنها أمر ما، فالمعلن اليوم أن تواصل واشنطن والإخوان لم يتم بعد سقوط نظام مبارك، بل من قبل، وهنا بيت القصيد. فالذي تبين اليوم أن التواصل بين الطرفين تم منذ عام 2006، وهذا يعني أن بداية التواصل بين الإخوان وواشنطن جاء في الأوقات التي رفع فيها الإخوان الصوت عاليا ضد الغرب، وعلى رأسه أميركا، أي أيام حرب إسرائيل على لبنان في 2006، وبعدها حرب إسرائيل على غزة، ناهيك أنها كانت مرحلة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وفي ذلك الوقت كان الإخوان ومريدوهم من الصادقين والسذج، يخوّنون كل من كان ينتقد الإخوان وخطهم السياسي.

اليوم وبعد قرابة خمس سنوات يتضح أن الإخوان كانوا منفتحين على أميركا، في الوقت الذي كانوا يهاجمون فيه مبارك، وجل الأنظمة العربية، بسبب حرب إسرائيل على لبنان، وعلى غزة، ويتهمون مبارك بمحاصرة قطاع غزة محاباة للإسرائيليين والغرب، بينما الإخوان أنفسهم كانوا منفتحين على واشنطن. وبالطبع فإن العذر الحاضر والسهل للإخوان هو أن من التقى الأميركان من الإخوان في عام 2006 لا يمثل الجماعة بشكل مباشر وإنما بصفته ممثلا للشعب المصري، كعضو منتخب بمجلس الشعب، وهل كان نظام مبارك وقتها يمثل موزمبيق مثلا؟

أمر لا يستقيم، وحيل تعودناها، وبالطبع فإن الواجب هنا هو إعادة النظر بكل شعارات الإخوان، وليس بما يفعله الأميركيون، وذلك لسبب بسيط وهو أن واشنطن تلعب سياسة، كما يقول التعبير الشهير، وها هي اليوم تفاوض طالبان في أفغانستان، وعليه فالقضية هنا ليست قضية تصيد للإخوان، بل لأنهم هم أصحاب شعار «الإسلام هو الحل»، بينما ما نراه اليوم يظهر أن شعار الإخوان العملي هو أن «الحكم هو الحل». ولذا فما يجب النظر إليه اليوم ليس شعارات الإخوان، سواء في مصر أو أي مكان، بل خططهم لما سيكون عليه مستقبل مصر أو غيرها من دولنا، فللبيت رب يحميه، أما معيشة الناس، وأمنهم، واقتصادهم، فهي مسؤولية من يحكم، وكلنا يعلم أن الشعارات لا تغني ولا تسمن من جوع، بل ها هي الحقائق تقول لنا إن أصحاب الشعارات الإسلامية يتفاوضون مع الأميركيين، ومنذ سنوات.

الجيد في توقيت إعلان الانفتاح بين الإخوان والأميركيين أنه يأتي والإخوان أنفسهم يخوضون معركة داخلية بين المنتمين للحركة نفسها، فهناك من يريد رئاسة مصر، وهناك من ثار نقمة على الجيل القديم المحتكر لكل شيء، وهناك من هو ناقم على أن القيادات الإخوانية بالحركة لم تأت بالانتخاب، فإلى الآن هناك خمسة أحزاب انشقت عن الحركة الأم، وهذا أمر طبيعي؛ حيث زال الخطر، أي نظام مبارك، فالعدو يوحد، والسياسة تفرق إلا إذا كانت مبنية على لغة المصالح، أما إذا كانت السياسة مبنية على شعارات فحينها سيصدم المريدون، مثل صدمتهم اليوم، بأن أصحاب شعار «الإسلام هو الحل» ما هم إلا «منفتحون» على أميركا منذ مدة.

[email protected]