ميقاتي والحريري والسنة

TT

لا بد أن سعد الحريري سعيد بأنه في باريس مع عائلته بعيدا عن بيروت ورئاسة الحكومة في هذا الظرف الحساس جدا في تاريخ لبنان وجارته سوريا. أتخيله يقول، دع نجيب ميقاتي يتولى كنس العلاقة مع ألد خصمين لي، حزب الله والنظام السوري. ميقاتي هو رئيس الوزراء الذي خلع الحريري وحل محله.

بالفعل، ميقاتي يقوم بتنفيذ القرارات التي كان يتعين على الحريري اتخاذها، وكانت ستثير مشاكل ضده ومخاطر جمة على حياته وعلى لبنان. ميقاتي ليس في حاجة إلى زيادة الحراسات على بيته بعد تبنيه تنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة عناصر حزب الله، لأنه حليف الحزب وجاء به إلى الحكم. ولم يرفض استقبال لبنان اللاجئين السوريين من بطش النظام عبر الحدود. طبعا لن يرمي أحد ميقاتي بتهمة استهداف حزب الله ولا التآمر على نظام بشار الأسد.

أما الحريري، فقد سبق للإعلام في دمشق أن جعله العدو الأول، مدعيا أنه مدبر مؤامرة الانتفاضة الشعبية في سوريا، وسبق لحزب الله أن اتهمه بأنه وراء ملاحقة المحكمة الدولية لأفراده.

ولا شك في أن إقصاء الحريري قبل أسابيع كان تطورا سلبيا لأن فيه تعديا على حق السنة، لكن لحسن حظ الحريري أنه أقصي في الوقت المناسب، حيث أذاعت المحكمة قائمة المطلوبين في قضية اغتيال والده رفيق الحريري، وفي وقت زاد توجس ووحشية النظام السوري حيال الاحتجاجات.

واعتلاء ميقاتي السني للحكم أوجد مرارة عند أغلبية السنة ليس اعتراضا على شخص ميقاتي نفسه الذي ميز نفسه كقيادي في السياسة والاقتصاد، وجمع بين الكفاءة والأخلاق الشخصية الرفيعة. الاعتراض هو على إسقاط الحريري الذي فاز بأغلبية أصواتهم ويفترض أن يكون الممثل الأول للسنة، الطائفة التي خصت بمنصب رئاسة الحكومة. بعضهم ساوى بين إسقاط حزب الله للحريري واحتلال الحزب لبيروت الغربية - المنطقة السنية في العاصمة. وبالتالي، صار ميقاتي السني ينظر له عند بعض السنة أنه صنيعة تكتل سياسي موال لحزب الله وسوريا - المتهمين الرئيسين في قتل والد الحريري، لكن الحقيقة أن ميقاتي سياسي مستقل ويلعب بأوراقه مثل بقية الساسة في لبنان، على قول المثل الشعبي، «اللي تكسب به تلعب به».

ولولا أننا نعرف أن المؤامرة دبرت في النهار، وليس في ليل ووفق الديمقراطية اللبنانية المعقدة، لقلنا إن الحريري هو من خطط للإتيان بميقاتي حتى يتجاوز محنة الفترة الخطرة الحالية.

جاء تولي ميقاتي رئاسة الحكومة ليس فقط لينقذ الحريري، بل أيضا ليضفي شرعية ومصداقية على فعل المحكمة الجنائية التي لم يكف معسكر حزب الله عن التشكيك فيها ورفضها لأنها تستهدف أفرادا محسوبين عليه وسوريا. ميقاتي عزز مكانته عندما تمسك بخط سلفه سعد الحريري في هذا الشأن الحساس وتعهد علانية الالتزام بأمرين: احترام القانون، والتعهدات السياسية، بالانصياع لقرارات المحكمة الدولية والإجماع اللبناني، أراد أن يؤكد أنه ليس حصان طروادة لحزب الله والسوريين كما كان يخشى ويشاع، بل حصان وطني قدم المصالح العليا لبلده وأكد أن ملاحقة القتلة يصب في صالح كل لبنان لا أهالي الضحايا فقط، ولم يشكك في مصداقية المحكمة ولا في أوامر القبض الدولية. كما لم يفعل ما فعله بعض قيادات معسكره «8 آذار» بالدفاع عن القمع الدموي من قبل حليفهم، نظام سوريا. كل هذه ستحسب لصالح ميقاتي الذي هو في وضع لا يحسد عليه في بداية زمن مضطرب.

أيضا نحن أمام تنافس طارئ صحي بين قيادات الطائفة السنية، التنافس الذي ميز المسيحيين على الدوام، ولم يعرفه السنة ولا الشيعة الذين غلب عليهم زعامة واحدة طاغية.

[email protected]