..وثالثهما الشيطان!

TT

لم يعد الغزل السري بين الولايات المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين في مصر أمرا خفيا، لكنه تحول إلى علاقة علنية وبالاعتراف الصريح والرضا من الطرفين. لكنها علاقة أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها علاقة «غريبة» نوعا ما ومليئة بـ«الميكافيللية» الفجة، فالغاية، كما يبدو، تبرر الوسيلة. الولايات المتحدة تريد ثقلا لها في الشارع بعد سنوات من الاستثمار المركز مع الحزب «الوطني» الحاكم، أيام الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وكانت دوما تحذر من الإسلام السياسي والتعامل معه، وتحديدا من الإخوان المسلمين، أما جماعة الإخوان المسلمين فقد كانت لها الآراء المحذرة والمشككة والمخونة لمن يتعامل مع الولايات المتحدة. ونال حسني مبارك ورفاقه في الحكم النصيب الهائل من الاتهامات بسبب تعامله مع أميركا وقربه منها. فما الذي حدث تحديدا؟

أميركا أدركت أن الحضور الإسلامي في الشارع السياسي العربي لا مفر منه، ولكن تدرك أيضا أن هناك تطرفا وتشددا وتنطعا وإرهابا يرفضها العالم الإسلامي نفسه قبل أن يرفضها العالم بأسره، وهي اقتنعت بأن النموذج التركي من الإسلام الوسطي هو الذي نال القبول العريض عربيا ونجح غربا وشرقا، وهي ترى أن جماعة الإخوان المسلمين هي الأقرب للنموذج التركي، أما الإخوان المسلمون فهم يدركون أن أميركا هي الدولة الأقوى في العالم وصاحبة الحضور الاقتصادي الأكثر تأثيرا، ولا بد من أن تكون معها «علاقة ما» ولا يمكن أن يتجاهلوها.. ظاهريا تبدو المسائل مثالية والطرح نموذجيا والقصة وكأنها «سمن على عسل» ولا أجمل من ذلك! لكن هناك حجما هائلا من الشك والريبة والقلق بين الطرفين، فأميركا، كما هو معروف، تهتم بالمصالح وليس بالعلاقات أبدا، ستلعب مع الطرف الذي يؤمن هذه المصالح أولا وأخيرا دون أي اعتبارات أخرى، فهي وضعت يدها في أيدي المجاهدين الأفغان ونتاجهم الذي جاء بعد ذلك (طالبان) لأجل تحقيق مصالحها، وها هي تضع يدها مع إيران ذات النظام المتشدد والمتطرف في إدارة شؤون العراق على الرغم من الخط السياسي المعادي لها في جميع أنحاء العالم.

الإخوان المسلمون اليوم يبنون «شكلا» غربيا بامتياز، فيشكلون «حزبا» سياسيا أساسه قائم على تبني الفكر الغربي الديمقراطي في المشاركة السياسية العامة بنفس الأسلوب المتبع في الدول الغربية عموما والولايات المتحدة تحديدا. وبدأت لغتهم السياسية تتغير بشكل يناسب التوجه العام بدلا من حصرها للجمهور الخاص بها وحده فقط. لكن الإخوان المسلمين حتما ليسوا بتركيا وحزبها الإسلامي، ولا لهم نفس التوجه الاجتماعي ولا الاقتصادي ولا السياسي، فهم لهم تحفظات هائلة على السياسات الاقتصادية التي تتبعها تركيا مثلا وطريقة تعاملها سياسيا مع الأقليات وحقوقهم السياسية وحقهم في التمثيل والترشيح، وطبعا في ممارسة العبادة والمعتقد بحرية كاملة، وطبعا حق المرأة السياسي الكامل، بما فيه الولاية العامة (مع عدم إغفال أن تركيا حكمتها فعلا سيدة ويرضى علماؤها المسلمون بشكل كامل ومقنع)، فبالتالي ستكون «مفاجأة» للولايات المتحدة حين تكتشف أن «تفاصيل» الحكم والسياسة عند جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الجديد خالية من النكهة التركية تماما و«سادة» وبلا سكر، وطبعا الولايات المتحدة لها مصالح ثقيلة جدا على قلب الإخوان، من أهمها العلاقة مع إسرائيل والتعاون العسكري بشتى أنواعه، مع عدم إغفال التواصل الاقتصادي ونظام المعونات والسياسات الزراعية وغيرها من الملفات الوعرة والشائكة.

علاقة الغزل التي تحولت إلى مشروع خطوبة علنية يتعامل الطرفان معها بشرعية الزواج المنتظر طالما كان القصد حلالا، فالعلاقة شرعية ولا غبار عليها «أبوها راضٍ.. وأنا راضٍ»! لكنها علاقة غير متكافئة وتبدو أقرب إلى نزوة أو مراهقة متأخرة منها إلى علاقة ناضجة ومتوازنة وسوية، وهذه العلاقات من الطبيعي والمنطق ألا يكتب لها الاستمرارية والنجاح. هذه الخلوة غير الشرعية بين الولايات المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين يبدو واضحا أن ثالثهما فيها هو الشيطان نفسه! وجبت الاستعاذة.

[email protected]