الكتاب.. أصدق صديق وأنبل جليس!

TT

أحسن ما جاء في الكتب العربية القديمة أن أديبا دخل على الخليفة عبد الملك بن مروان فوجده يقرأ، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن الكتاب أنبل جليس، وآنس أنيس، وأصدق صديق، وأحفظ رفيق، وأكرم مصاحب، وأفصح مخاطب، وأبلغ ناطق، وأكتم وامق (محب)، يورد إليك، ولا يصدر عنك، ويحكي لك، ولا يحكي عنك. إن أودعته سرا كتمه، وإن استحفظته علما حفظه، وإن فاتحته فاتحك، وإن فاوضته فاوضك، وإن جاريته جاراك. ينشط بنشاطك، ويغتبط باغتباطك، ولا يخفي عنك ذكرا، ولا يفشي لك سرا، إن نشرته شهد، وإن طويته رقد، خفيف المؤونة، كثير المعونة، حاضر كمعدوم، غائب كمعلوم، لا تتصنع له عند حضوره في خلوتك، ولا تحتشم له في حال وحدتك.. في الليل نعم السمير، وفي النهار نعم المشير.

فقال عبد الملك بن مروان: لقد حببت إلي الكتاب، وعظمته في نفسي، وحسنته في عيني.

ومن الممكن أن تمل القراءة.. طبيعي.. فعندما يمل الإنسان كل شيء تكون الكتب أولى الضحايا.

ولكن لا شيء يروض العقل مثل الكتب.. وعليك أن تروض العقل وتراوده حتى تجد الكتاب الذي يهدئ هذه الثورة.. قد يكون كتابا في الحب.. في الفلك.. في النبات.. في الحيوان.. في الشعر.. في كتب الرحلات.. في أي موضوع.. لا يهم الموضوع.. المهم هو أن تستعيد شهيتك المفتوحة على الدنيا. حدث لي ذلك كثيرا، ويحدث، وأعرف الداء والدواء.

فكثيرا ما أجدني في الساعات الصغيرة من كل يوم في نشاط وحيوية، ولكن لا أريد أن أكتب، ولا أريد أن أقرأ ما كان في نيتي.

إذن، فعقلي يريد أن يلهو ويلعب.. أن يتمرد فيقفز بلا قيود مثل رواد الفضاء على القمر، حيث تضعف خيوط الجاذبية.. فليكن.. من حق العقل أن يستريح مني.. ولذلك أجدني أقلب في كتب الرحلات أو في كتب أخرى.. المهم أن يلهو العقل ويلعب على مرأى مني مربوطا بخيوطي.

***

صدقني كل الذين حولك يكذبون.. كل الذين تدور حولهم، تكذب عليهم أنت أيضا. ولا لوم عليك، فالكذب والنفاق أكسجين الحياة الدنيا التي هي مصالح في مصالح في مصالح. والذي نسميه الحب هو ماكياج خارجي. والأرقام تؤكد لنا أن أعظم صناعة في الدنيا هي صناعة الماكياج والعطور والتجميل. لماذا؟ لأننا قد اتفقنا على الكذب والخداع وإخفاء الحقيقة! إلا الكتاب.. إنه صريح.. إما أن تقبله كله وإما أن ترفضه كله.. ولا يقاومك.. فإذا ضاقت بك الدنيا، وهي ضيقة ضائقة، فالكتاب أوسع وأرحب.. كتاب تملكه أو تستعيره!