من هو أردوغان مصر؟

TT

عندما سأل صحافي الدكتور محمد سليم العوا عما إذا كان هو أردوغان مصر أم لا، أجابه: «أردوغان شخصية متفردة في عالمنا هذا، وأن يصفني الناس ويشبهوني به فهذا شرف كبير لا أدري هل أستحقه أم لا، فقد بدأ حياته بشق النفس، حيث كان يبيع المأكولات الخفيفة على الشاطئ في إسطنبول، وأنا أتمنى أن أقدم لبلدي ما قدمه أردوغان لبلده، والشعب المصري يتطلع إلى قائد من هذا النوع، قائد يستطيع أن يتخذ موقفا مفاجئا لمصلحة وطنه، ولا يبالي باهتزاز العالم من حوله»، مضيفا عن صفات القائد «ضرورة تحري المعايير الأخلاقية والدينية والسياسية، وإياكم والمرشح الذي يقول أميركا وإسرائيل، ومراعاة الانتماء الوطني للمرشح حتى لا يكون عميلا لجهة أجنبية، فأنا أخاف من استمرار الاستتباع الذي جرى لمصر بكونها تابعة لأميركا وإسرائيل على مدى الأعوام الثلاثين الماضية» («الشروق» 23 يونيو/ حزيران 2011»).

التقيت الدكتور سليم العوا لأول مرة في مكتبه في القاهرة، بعدها قرأت معظم كتبه. كان من الواضح أن كتابات الدكتور العوا يميزها طابع إسلامي. على سبيل المثال، في كتابه «في النظام السياسي للدولة الإسلامية»، يناقش موضوعا غاية في الأهمية والحساسية في الوقت نفسه، وهو العلاقة بين الإسلام والحكومة. ونحن نجد الإسلام أو الدين في عناوين عشرة من كتبه. ويعني هذا أنه يركز على الإسلام والدين بشكل عام في مصر والعالم الإسلامي كله. وبسبب أسلوبه، فإن حكمه على أردوغان يشكل أهمية كبيرة. سألت نفسي: لم لا يقول الدكتور العوا إنه يرغب في أن يصبح أحمدي نجاد الجديد؟

يبدو لي أننا في العالم الإسلامي نواجه نموذجين مختلفين: إيران وتركيا. ومن الواضح أن النموذج الإيراني قد فشل، في الوقت الذي نجح فيه النموذج التركي. إذن، من الواضح أن الدكتور العوا يفكر في تركيا لا في إيران. إنه يتحدث عن أردوغان كنموذج مثالي، وليس عن أحمدي نجاد.

وكمثال يمكننا أن نعتمد عليه بدرجة كبيرة، لدينا نموذجان آخران هما الهند وباكستان. وعلى مدار الأعوام السبعين التي مرت منذ يوم استقلالهما كدولتين منفصلتين، وقعت ثلاثة انقلابات عسكرية في باكستان. وأثناء تلك الفترة، كان رؤساء باكستان جنرالات عسكريين. وتم وضع أول دستور في باكستان في 1956، لكن تم الوقف العمل به في 1958 على يد الجنرال أيوب خان. وأوقف العمل بدستور 1973، في عام 1977 من قبل ضياء الحق، غير أنه أعيد العمل به في 1985. بعدها، أوقف برويز مشرف العمل بالدستور في 1999.

وفي الهند، لم يكن هناك أي انقلاب عسكري، ومن ثم لم يتم تعليق العمل بأي دستور. وتبدو النتائج والإنجازات واضحة، فقد حققت الهند تقدما هائلا، والآن، ينظر إليها باعتبارها قوة عظمى. على الجانب الآخر، تواجه باكستان الكثير من الأزمات والكوارث. فقد طرح ضياء الحق - ثالث رئيس عسكري لباكستان - نظاما قانونيا قائما على الشريعة الإسلامية، والذي زاد التأثيرات الدينية على الخدمة المدنية والجيش. على النقيض، في الهند، فصلوا الحكومة عن الدين.. وبسبب ذلك نشاهد اليوم أن وزير الخارجية في الهند هو الدكتور مانموهان سينغ الذي ينتمي لطائفة السيخ. ومن الغريب أنه بعد مشاهدة هذا التحول البارز في الأحداث، ما زالت الحكومة الإيرانية ترغب في إعادة التاريخ من جديد وتبني النموذج الباكستاني. على الجانب الآخر، في الوقت الحالي تسير تركيا في الاتجاه الصحيح، فبمحاولة تقليل دور المؤسسة العسكرية، ترغب في إصلاح الدستور التركي.

في تركيا، من الواضح أن الانتخابات تعكس بالفعل الرأي السائد في البلاد. وتعمل الانتخابات بمثابة مرآة صادقة هناك، يمكن من خلالها أن يرى كل حزب وجهه. وقد فاز حزب أردوغان في الانتخابات الأخيرة، لكنه لم يفز بأغلبية مطلقة (بمعنى أنه حصل على أقل من 50 في المائة من الأصوات)، وإنما فاز بأقل قليلا من هذه النسبة. في تركيا، يملك كل حزب أو تيار سياسي صحيفة تعبر عنه، وبمقدور كل فرد أن يتحدث بأعلى صوته. ويمنح هذا الوضع الشعب التركي فرصة اختيار حزب لتأييده أو انتقاده. وتتميز وسائل الإعلام، خاصة الصحف، بالحرية والنزاهة. على سبيل المثال، خرجت صحيفة «ميلييت»، وهي واحدة من أشهر وأهم الصحف التركية، حاملة على صدر صفحتها الأولى عنوانا فريدا يقول «الديمقراطية المجروحة» (2011/6/24).

وقد أعلن 38 عضوا برلمانيا، يمثلون 2.4 مليون نسمة، أنهم لن يشاركوا في البرلمان. وهنا تكمن المشكلة بين الأكراد والحكومة في تركيا، أعني بذلك أن الأكراد يتمتعون بحرية الاعتراض والتفكير بصوت مرتفع. وكنت مرة أتطلع إلى الكتب داخل إحدى مكتبات بيع الكتب في مطار إسطنبول، وعثرت على كتاب عن أردوغان، وكان يحمل صورته على الغلاف. وكانت صورة الغلاف تصور أردوغان على نحو مشابه لهتلر، حيث كان يرتدي شارة على ذراعه تحمل علامة الحزب النازي، ويرتدي صليبا معكوفا. وكان هذا دليلا واضحا للغاية على وجود حرية تعبير في تركيا!.. أما في إيران فإذا ألفت كتابا يسير في اتجاه معاكس لاستراتيجية الحكومة، فإنه سيكون من المستحيل نشره، بل وربما تفقد وظيفتك ويلقى القبض عليك.

وأحب أن أذكر مثالي الأخير: وهو الربيع السوري. تقف تركيا إلى صف الشعب السوري، وتولت تنظيم بعض المعسكرات للاجئين السوريين، سعيا للتخفيف من آلامهم. على الجانب الآخر، تدعم حكومة إيران بشار الأسد وحكومته، ويعني ذلك أن تركيا تتبع الاستراتيجية الصائبة، بينما تتبع إيران تكتيكا خاطئا. إن الاستراتيجية تشبه مالك منزل، والتكتيك هو الضيوف. الحكومات تلعب دور الضيوف، وبمقدور الضيوف البقاء في المنزل لفترة طويلة، مثل مبارك في مصر، لكنهم في النهاية سيضطرون للرحيل، بينما سيبقى الشعب للأبد. وأطلق الإمبراطور أنطونيوس بيوس لقب «دومينوس تيتوس أوربيس» - أي رب العالم بأسره - على نفسه! وهذه قاعدة تاريخية ذهبية. وعلى الحكيم التطلع مستقبلا، وأن يدرك أنه بحاجة لرؤية واضحة، وعليه التفكير في مستقبل بلاده. على النقيض، الرجل المغامر غالبا ما يتبع تكتيكات متنوعة، وهو رجل انتهاز اللحظات السانحة. ويؤمن بأنه العقل المدبر وراء العالم كله، ويزعم أن خططه هي المثلى لإرشاد العالم، بينما لا أحد يأبه بأتباعه. ولذلك، يقول محمد سليم العوا إنه يرغب في أن يكون أردوغان مصر. وأعتقد أن العوا يملك القدرة على أن يكون أردوغان الثاني داخل العالم الإسلامي.