المجلس والإخوان وعمر سليمان؟

TT

هناك شكوى واضحة من بعض الأحزاب الليبرالية الناشئة من أن بعض أعضاء المجلس العسكري في مصر أعطوا إشارات تدل على أنهم غير راغبين في الفكر الليبرالي، واستخلص بعض من تحدثوا مع المجلس أن هناك رائحة صفقة بين المجلس والإخوان. ولكن حتى نكون منصفين، هناك إشارات أخرى قام بها المجلس العسكري قد تساعد الأحزاب الليبرالية، فهل فهم الليبراليون الإشارة؟ فمثلا قام المجلس بفتح منفذ رفح رغم الضغوط الإسرائيلية والأميركية، وبهذا يكون المجلس بطريقة غير مباشرة سحب ورقة فلسطين من يد الإخوان، تلك الورقة التي كانوا يزايدون بها على نظام الرئيس الذي أزيح عن الحكم حسني مبارك. لكنّ الليبراليين لم يفهموا حتى لو كان العسكر لم يقصدوا ذلك. رغم هذه الإشارات المتناقضة فإن مسألة تسليم مصر للإخوان أو مشاركة العسكر الحكم مع الإخوان كان ضمن صفقة عمر سليمان قبل إزاحة مبارك عن الحكم، فلقاءات عمر سليمان مع الإخوان في الفترة من 1 فبراير (شباط) إلى ربما الخامس من فبراير كلها كانت تصب في صفقة يتشارك فيها جماعة 23 يوليو ممثلين بالعسكر في الحكم مع الإخوان المسلمين، وتهميش شباب مصر سواء انطلقوا من الميادين أو من الـ«فيس بوك» أو من المساجد.

في مصر الآن خبر جديد يقول إن عمر سليمان ينتوي أن يرشح نفسه للرئاسة، وأنه سيلقي خطابا يكشف فيه عن ملابسات محاولة اغتياله. أتيحت لي في الفترة من 1997 إلى 2006 تقريبا 6 مقابلات مع السيد عمر سليمان، كان كل لقاء منها يتجاوز ساعة من الزمان، واستمعت إليه وإلى آرائه في ما يخص الحكم في مصر وطبيعته، وتأكد لي من خلال كل هذه اللقاءات أن نائب الرئيس السابق - الذي لا أعرف وضعيته القانونية الآن - ليس ديمقراطيا بأي حال من الأحوال، على الأقل في ما يخصنا نحن القادمين من أطراف مصر، فعمر سليمان لديه إيمان مطلق بنظرية المجتمع المائي النهري، أو نظرية المجتمع الهيدروليكي، أي أن مصر لا يمكن أن تحكم إلا من المركز، أي بحكم مركزي من القاهرة. إذ قال لي: «كما تعلم أن البلدان النهرية لا بد لها من سدود تتحكم في حركة المياه»، وكان ردي يومها: إذا كان الأمر كذلك يا سيدي فلماذا لا تكون عاصمة الدولة في أسوان عند السد العالي؟ هذا يتحكم في الماء، والعاصمة تتحكم في السياسة.

في أول لقاء لي مع الرجل عام 1995 على خلفية مقال كتبته عن جمال مبارك في الـ«كريستيان ساينس مونوتور»، كان الرجل مهذبا، وأدرنا الحوار برمته بالإنجليزية، وتلك كانت رغبتي، لأن في الانزلاق إلى اللغة العربية والعامية المصرية لا بد أن أقول له «يا باشا» و«يا بيه»، فالمصريون لا يقبلون أسماءهم إلا مسبوقة بألقاب في أحاديثهم. وكنت يومها قد قضيت سبع سنوات في أميركا، وكنت شابا، وكنت أرفض هذه الألقاب، أو أحس أن استخدامها أمر من عالم متخلف تجاوزته بعد حصولي على الدكتوراه. بالطبع أدركت في ما بعد أن العالم ليس كذلك. المهم في كل هذا أنني اكتشفت أن عمر سليمان مولود لأسرة تعيش في جبال قنا من الناحية الشرقية إلى جوار مدينة فقط، واكتشفت ذلك عندما قال لأحد المسؤولين إن «فندي بلدياتنا»، وكانت لدي أحاسيس مزعجة من كلمة «بلدياتنا» عندما تقال عن أهل الصعيد في النكات اليومية، «مرة واحد بلدياتنا».. وظننت يومها أن الرجل يستخف بي، ولكن الأمر كان عكس ما توقعت، إذا قال إنه بلدياتي بالفعل، أي من أبناء محافظة قنا. تُرى ما علاقة هذا السرد بالإخوان والعسكر؟

ظني أن العسكر أوكلوا إلى عمر سليمان إيجاد صيغة تنهي الاحتجاجات التي كانت تجوب ميدان التحرير في الفترة من 28 إلى يوم عزل مبارك، وبالفعل دعا سليمان الإخوان وكل من ظنهم فاعلين في الشارع للحوار، وجلس معهم جلسات تفاوض كتلك التي كان يقوم بها مع حماس وفتح أو مع الإسرائيليين، جلسات تهدف إلى صياغة تصور لحل. وظني أن ما توصلت إليه المخابرات العامة كوكيل عن المجلس العسكري هي تلك الصيغة التي يعمل بها المجلس من يومها إلى الآن، صيغة تقول إن الإخوان شركاء في الحكم مع العسكر، ولكن النسب سيحددها دستور يحفظ للجيش حقه وللإخوان حقهم. فكتب جماعة الإخوان التعديلات الدستورية، وكان لهم ما شاءوا، ويبدو أن خلافا دب بين الطرفين في ما بعد، لذا لجأ العسكر إلى صيغة إعلان دستوري جديد يجب الاستفتاء عليه.

ومع ذلك يرفض العسكر تأجيل موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ولا يريدون لأي أحزاب أخرى أن تنظم صفوفها، هم يريدون للإخوان أن يكسبوا لأن الإخوان سينفذون الطبخة على غرار ما حدث في تركيا، للجيش موقعه الخاص في الدستور، وللإخوان المناصب التنفيذية في الدولة، ولكن الكلمة الفصل هي للجيش. على غرار علاقة رجب طيب أردوغان بالجيش التركي. الأميركيون يعرفون هذه الصيغة في تركيا ويقبلون بها وأجادوا التعامل معها، وتلك كانت صفقة اللواء عمر سليمان مع الإخوان، وعمر سليمان جنرال كان رئيسا للمخابرات العسكرية قبل أن يتسلم منصب رئيس المخابرات العامة، إذن هو ضمن المجلس أو ضمن القيادات العليا للقوات المسلحة، رغم ما يشاع عن خلاف شخصي بينه وبين المشير طنطاوي.

المهم في كل هذا أنه لا بد للمجلس العسكري أن يفطن إلى أن الطبخة التي تمت بينه وبين الإخوان معروفة للجميع أيا كانت نوعية الخطاب الذي قد يلقيه سامي عنان، أو المشير، أو خطاب عمر سليمان المرتقب. نحن كمصريين لا نقبل أن تسلم مصر للإخوان في صفقة، ولا نقبل أن تفرغ الثورة من مضمونها بهذه الطريقة.