عصر القطارات آت إلى الخليج

TT

ترافق نمو شبكات القطارات مع النهضة الاقتصادية حول العالم لنحو قرنين من الزمن، حيث تحتاج المدن والمناطق النامية دائما إلى بنية تحتية قوية تدعم النمو والتنوع الاقتصادي. واليوم تنتشر شبكات السكك الحديدية في أوروبا ودول أخرى كالهند والولايات المتحدة والصين وأستراليا، حيث باتت شريانا للحياة الاجتماعية والاقتصادية في هذه الدول.

والحقيقة أن شبكات القطارات لعبت دورا مهما في دول عدة من الشرق الأوسط، مثل مصر وإيران، إضافة إلى شبكة الحجاز للسكك الحديدية التي بنيت بداية القرن العشرين في عصر الإمبراطورية العثمانية من أجل نقل الحجاج بشكل رئيسي، حيث إنها كانت تبدأ من دمشق وتمر في الأردن وصولا إلى المدينة المنورة. ولم يبق الكثير من تلك الشبكة، إذ دمر جزء كبير منها في الحرب العالمية الأولى.

أما في دول مجلس التعاون الخليجي، فهناك نقص واضح في منظومة البنية التحتية سببه غياب شبكات القطارات. غير أن دولا خليجية عدة في طريقها اليوم إلى تغيير هذا الواقع من خلال خطط طموحة وبناءة لتأسيس شبكات للقطارات تمتد من الكويت حتى مسقط.

وتجري عمليات تطوير هذه الشبكة في الخليج على قدم وساق حاليا، حيث تعمل الشركة السعودية للخطوط الحديدية بشكل متسارع لإنجاز الإنشاءات الخاصة بخط السكة الحديدية لقطار الشمال إلى الجنوب، الذي يمتد مسافة 2.400 كيلومتر ويربط القريات قرب الحدود الأردنية مع الرياض، كمل يربط البريدة مع رأس الزور.

وسيعمل هذا المشروع الرائد على ربط مناجم استخراج الفوسفات والبوكسيت الذي يستخرج منه الألمنيوم في أقصى الشمال مع منشآت على ساحل الخليج العربي تم التخطيط لها لتكريره وتصديره. وسوف يكمل هذا الخط الشبكة الحالية بين الرياض والدمام.

وفي الإمارات، تعمل «الاتحاد للقطارات» على شبكة للسكة الحديدية سوف تمتد لمسافة 1.200 كيلومتر لتعزز تواصل مختلف مدن ومناطق الدولة ببعضها البعض وتشكل جزءا حيويا من شبكة قطارات الخليج العربي. وستبدأ الأعمال الإنشائية للمرحلة الأولى نهاية هذا الصيف لتغير أسلوب نقل البضائع والركاب في الدولة.

وسيشهد مفهوم شبكة قطارات الخليج العربي تطوير بنية تحتية متطورة تلائم التطور الاجتماعي والاقتصادي للقرن الحادي والعشرين الذي تمر فيه المنطقة. فدول الخليج تمتلك موارد غنية وتتجه الآن نحو أساليب اقتصادية جديدة أكثر تنوعا واستدامة لتلائم المدن الحديثة وترسم عصرا جديدا لاقتصاد دول هذه المنطقة التي يتوقع أن يتضاعف عدد سكانها في الأعوام الـ20 المقبلة، مما سيوجد حاجة وطلبا كبيرين على شبكات القطارات إن لنقل الركاب أو البضائع.

هذا وقد لقيت مبادرات الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في شأن تأسيس هيئة لشبكة قطارات الخليج ترحيبا من الشركات المطورة، بما فيها «الاتحاد للقطارات». فعند اكتمال هذه الشبكة، سوف يصبح ممكنا انطلاق قطار من ميناء جبل علي إلى مدينة الكويت، على سبيل المثال، من دون الحاجة إلى تغيير القطار أو حتى طاقمه على الحدود. وتتطلع الشركة للعب دور مهم عبر مواءمة أنظمتها مع أنظمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومراقبة الحدود وضمان وتحديد مواصفات تقنية وأسعار معينة للخدمات. وسوف تعمل شبكة قطارات مجلس التعاون لدول الخليج العربية على تعزيز التجارة بين دول المجلس، إضافة إلى ما تمثله من وجه ورمز لتعاون دول المنطقة وترابطها مع بعضها البعض.

وثمة إيجابيات كثيرة ستوفرها شبكة القطارات على صعيد الاقتصاد الكلي أو الجزئي، أو حتى على المستوى الاجتماعي. فالقطارات أولا تعتبر محركا مستديما للنمو والتطور، إذ تربط المراكز الرئيسية للصناعة بعضها ببعض وتقدم وسيلة نقل حضارية بين المناطق المتباعدة وتفتح بالتالي قنوات اتصال جديدة، كما تعمل كذلك على تواصل النمو الاقتصادي والتجاري، إضافة إلى الفوائد المتمثلة في خدمات النقل السريعة والآمنة والموثوقة والأكثر استدامة بيئيا من سائر طرق المواصلات.

ومن ناحية الأعمال أيضا، توفر القطارات للعملاء حلول أعمال متخصصة وتقدم فرصا تنافسية فريدة للشركات. وسوف تسهم شبكة القطارات المقترحة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في تنويع سبل المواصلات وتحسين مستوى المنافسة والحد من تكاليف النقل.

إلى ذلك، سيكون للقطارات دور رئيسي في التخطيط العمراني والمدني، حيث تتوافر الفرص لأنماط تطوير معينة قد تستفيد من شبكة القطارات. وثمة أمثلة دولية ممتازة لمدن أوروبية ازدهرت عبر جذبها لمشاريع ضخمة حول شبكات القطارات، لتصبح هذه المناطق حيوية جدا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.وبينما تعتبر القطارات وسيلة نقل مهمة جدا للركاب، فإن قطارات الشحن تسهم بشكل كبير أيضا في خلق بيئة عمرانية وحضارية صحية، حيث تشكل جزءا من نظام لوجيستي متطور لدعم الصناعات الثقيلة، وتعد ركيزة أي اقتصاد حضاري متطور في العالم. وتساهم الحلول اللوجيستية المتكاملة في الحد من عدد الشاحنات على الطرقات، إضافة إلى انخفاض الانبعاثات الكربونية للقطارات مقارنة بوسائل أخرى من المواصلات.

وتعتبر المزايا البيئية العديدة للقطارات سببا مهما لاستخدام القطارات كوسيلة رئيسية للمواصلات. فقطار واحد على سبيل المثال يمكنه شحن كميات تعادل ما تحمله 300 شاحنة، وبالتالي تقليل عدد الشاحنات على الطرقات والحد من زحمة السير ورفع مستوى الأمان على الطرقات للسائقين والركاب معا. وهذا يعني كذلك خفض التأثير الكربوني للشاحنات على البيئة وخفض دورات الصيانة التي تحتاجها الطرقات الرئيسية.

وفي اختصار، ستساعد شبكات القطارات على استمرار النمو الاقتصادي للمنطقة، وسوف يكون لها تأثير إيجابي على البيئة كما ستوفر منافع اجتماعية عديدة. وهي تعتبر بالتالي خطوة نحو تغيير طبيعة الاقتصادات المحلية للدول، سواء من حيث حجم أو قدرة هذه الاقتصادات.

إن شبكة القطارات لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تعتبر اليوم أحد أكثر مشاريع البنية التحتية أهمية، وتبشر بحقبة جديدة لقطاع المواصلات في الخليج.

* الرئيس التنفيذي لشركة «الاتحاد للقطارات»

ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»