إقرار خطة التقشف اليوناني.. حل دائم أم «مسكن مؤقت»؟

TT

ساعد المشرعون اليونانيون العالم على تجنب تجدد الأزمة المالية يوم الأربعاء الماضي عندما واجهوا احتجاجات ضخمة ومعارضة عامة بسبب الموافقة على حزمة من الزيادات الضريبية وخفض الميزانية لتجنب التخلف عن إيفاء الدين المستحق على البلاد.

وعلى الرغم من أن الأسواق العالمية قد ابتهجت بهذه النتيجة، فإن هذا قد يكون مسكنا مؤقتا.. حيث إن القروض الطارئة المتوقع أن تكون متاحة لليونان سوف تدفع فواتيرها لمدة شهرين إضافيين فقط وسوف تعود البلاد إلى حافة الانحدار بحلول نهاية الصيف ما لم يوافق المفاوضون الدوليون على خطة طويلة الأجل لإنقاذ البلاد. وثمة محادثات جارية في هذا الإطار وسوف - نأمل ذلك - يتم الانتهاء منها في سبتمبر (أيلول) جنبا إلى جنب مع اتفاق من قبل البنوك والمؤسسات المالية الكبرى التي تضم السندات اليونانية حتى تترك الكثير من أموالها تستثمر في البلاد.

ولكن حتى لو حدث كل ذلك في الموعد المحدد، فسوف يكون ذلك مجرد بداية كفاح قادر على تعطيل الاقتصاد العالمي لمدة شهور أو حتى سنوات، حيث تواجه اليونان سلسلة مرهقة من المعارك حول كيفية فرض ضرائب جديدة وغيرها من السياسات، وإعادة تنظيم اقتصادها، والعمل من أجل الخروج من الدين العام الكبير الذي لا يزال يتراكم. وفي الواقع، سوف تمس التدابير الجديدة حياة كل مواطن يوناني تقريبا من خلال فرض ضرائب أعلى على الدخل وتشديد تطبيق الضرائب وتقديم خدمات حكومية أقل، كما ستؤدي هذه التدابير إلى مواجهة كبرى بين الحزب الحاكم حيث رئيس الوزراء جورج باباندريو، والنقابات العامة التي تتمتع بعلاقات جيدة والشركات المملوكة للدولة – ويمكن ملاحظة بداية ذلك من خلال الغاز المسيل للدموع والحجارة التي تتطاير بين الشرطة والمتظاهرين عندما يجتمع البرلمان.

ويوجد في قلب الخطة المالية التي وافق عليها البرلمان يوم الأربعاء 70 مليار دولار يتم الحصول عليها من خلال خصخصة الأصول المملوكة للدولة، بما في ذلك الشركات الكبرى التي تولد الكهرباء وتدير القطارات وتوظف عشرات الآلاف من الأشخاص. ووصل الأمر إلى عملية إحياء السياسة القائمة على المحاباة في البلاد، ويتوقع اليونانيون وغيرهم من المحللين أن تواجه كل صفقة مشاكل سياسية كبيرة من جانب النقابات والبيروقراطيين في الشركات المملوكة للدولة والذين يتمتعون بعلاقات جيدة ويحاولون الحفاظ على وظائفهم ونفوذهم. ومع ذلك، فإن مواصلة التطوير سوف يسبب مخاطر للتدفق المتوقع للمساعدة من جانب صندوق النقد الدولي ودول منطقة اليورو. وقال جون ليبسكي، المدير العام بالوكالة لصندوق النقد الدولي، خلال مقابلة شخصية مع شبكة «سي إن بي سي»: «يجب تنفيذ الخطة، فهي تحتوي على معايير محددة للغاية سوف يتم رصدها من خلال مسؤولي صندوق النقد الدولي والمسؤولين الأوروبيين. وتنطوي هذه الخطة على إصلاحات هيكلية مهمة تهدف إلى القضاء على أوجه القصور في الاقتصاد اليوناني.. يتعين عليهم القيام بذلك بشكل أفضل».

وتمت متابعة التصويت في البرلمان يوم الأربعاء الماضي عن كثب في جميع أنحاء العالم باعتباره الشرارة المحتملة لتوسيع الأزمة الاقتصادية. وفي الولايات المتحدة، ارتفع مؤشر «داو جونز» الصناعي بنسبة 0.6 في المائة ليغلق عند 12,261 بعد الموافقة على خطة التقشف. وقفز مؤشر «استاندرز آند بورز 500»، وهو مؤشر أوسع لقياس الأسهم، أكثر من 0.8 في المائة.

وكان يتعين على المشرعين اليونانيين تمرير الاقتراح، بما في ذلك خطط الخصخصة وزيادات ضريبية بقيمة إضافية قدرها 40 مليار دولار وخفض في الإنفاق، حتى يقوم صندوق النقد الدولي ومجموعة من الدول الأوروبية بإطلاق 17 مليار دولار في شكل قروض طوارئ تحتاج إليها اليونان لدفع ديونها الفورية.

وتشمل هذه الديون مليارات الدولارات المستحقة على حاملي السندات في يوليو (تموز) وأغسطس (آب). ويخشى من أن يؤدي التخلف عن أداء المدفوعات إلى حدوث تأثير مفجع ومتتابع على الدول الأخرى – ربما يؤدي إلى إفلاس المؤسسات المالية اليونانية التي يوجد بها سندات البلاد، ويضع ضغوطا على كبرى المؤسسات الفرنسية والألمانية التي تعد أيضا من المستثمرين، ويرفع تكاليف الاقتراض لدول أوروبية أخرى مثقلة بالديون، وربما يؤدي إلى خسائر في صناديق المال الأميركية الكبرى التي تملك أصولا أوروبية كبيرة، أو يؤدي إلى تجميد عام في الائتمان مثلما حدث في أعقاب فشل بنك «ليمان براذرز» في عام 2008. وتعتبر اليونان بمثابة اختبار رئيسي على قدرة اتحاد عملة اليورو الذي يضم 17 دولة على البحث عن مخرج من تلقاء نفسه – وإثبات أنه قادر على البقاء بدون الإصابة بأي أضرار على المدى الطويل. كما تتبع كل من آيرلندا والبرتغال برامج القروض الطارئة مع صندوق النقد الدولي والبلدان الأوروبية الأخرى، ولكن اليونان تمثل القضية السياسية الأكثر صعوبة - حيث إنها اختبار لما إذا كانت مؤسسات مثل البنك المركزي الأوروبي قادرة على تطوير وسائل لمساعدة الدول المتعثرة، ودرجة استعداد البلدان الأكثر نجاحا من الناحية الاقتصادية مثل ألمانيا لنقل الأموال أو القروض إلى الاقتصادات الأضعف.

وقد قضت اليونان عاما بموجب صفقة أولية لقروض طارئة لمدة ثلاث سنوات بقيمة 160 مليار دولار التي تم التفاوض عليها في عام 2010. وتضمنت تلك الخطة جولات أولية للحد من الإنفاق، وهي الخطة التي ينظر إليها بعض الاقتصاديين على أنها مسؤولة عن تعميق الركود الاقتصادي لمدة ثلاث سنوات، حيث ألغت الحكومة ما يعادل 5 في المائة من الناتج الاقتصادي السنوي في البلاد من دفاترها. وقد جاء هذا الجهد قبل الجدول الزمني المحدد على أن يتم استكماله من خلال اتفاق يتم التوصل إليه بعد إعادة التفاوض، ومن شأن هذا الاتفاق أن يضيف المزيد من التمويل العام. إن الارتفاع المستمر في ديون اليونان بشكل عام – بنحو 150 في المائة من النشاط الاقتصادي السنوي للبلاد، أو ما يزيد على 400 مليار دولار، وهو ما يعد من أعلى المعدلات في العالم - قد جعل بعض المحللين يتساءلون عن السبب وراء الاستمرار في تقديم القروض لدولة من المرجح أن تجبر دائنيها، في مرحلة ما، على قبول الخسائر. أما الآن، فإن المزاج العام في أوروبا هو أنه قد تم تفادي رصاصة الأزمة من خلال المراوغة.

وقال فان رومبوي رئيس المجلس الأوروبي، ومانويل باروزو رئيس المفوضية الأوروبية، في بيان مشترك بعد تصويت البرلمان يوم الأربعاء: «لقد كان هذا التصويت عبارة عن مسؤولية وطنية». وسيتم متابعة ذلك يوم الخميس، ولكن من المتوقع أن تفوز أغلبية باباندريو التي تبلغ 155 عضوا من إجمالي المقاعد في البرلمان التي تصل إلى 300 مقعد. وقال البيان أيضا: «لقد اتخذت البلاد خطوة حيوية إلى الوراء – من السيناريو الخطير للغاية المتعلق بعدم القدرة على السداد».

* خدمة «واشنطن بوست»