نوف تتفوق على نصر الله!

TT

تعلق الصغيرة نوف، ابنة أختي، حول رقبتها قلادة تحمل قطعة إلكترونية صغيرة تخزن فيها كل أغاني الأطفال والعديد من القصص المفضلة لديها، وهي على كل حال واسعة الذوق. تحملها حتى تستطيع الاستمتاع بذوقها الفني أينما ترحلت، سواء في بيروت أو لاهاي.

لم تعد هناك حاجة إلى حمل جهاز كومبيوتر في المجالس والشوارع والمطارات، التقنيات الحديثة تقمع الأحمال الثقيلة والأحجام الكبيرة. لذلك ربما كان من الأجدر بالمحققين المختصين بالمحكمة الدولية المتعلقة باغتيال رفيق الحريري أن ينقلوا معلومات التحقيق من بيروت إلى لاهاي عبر قطعة إلكترونية صغيرة كالتي تملكها نوف، بدلا من المخاطرة بنقل 97 جهاز كومبيوتر يحمل معلومات سرية عبر إسرائيل التي أثنى على تقدمها التقني أمين عام حزب الله ليعود ويطعن في نزاهتها بسبب هذه الشحنة.

أثبت حسن نصر الله، أمين عام الحزب، أنه يمتلك جهازا استخباراتيا مجتهدا، ولكنه غير متفوق، حيث سارع المراقبون بالطعن في وثائقه التي أشغل نفسه في تجميعها منذ تولى القضاء الدولي النظر في قضية الاغتيال الشهيرة تحوطا، إن تم توجيه التهمة إليه كما حصل قبل أيام، فاتضح من سوء حظه أن أهم مستنداته لا علاقة لها بالمحكمة. أما الذين يجملون القرار الاتهامي بأنه قرار ضد أشخاص وليس ضد جهة محددة للدفع به بعيدا عن حزب الله، فهم يحاولون الالتفاف على الحقيقة، ربما بنية حماية لبنان من تداعيات فضيحة الاتهام، ولكن شمس الحقيقة لا تغطى بغربال الدبلوماسية، ومساومة القصاص بالاستقرار انتهاك لقيم العدالة. الاتهام إدانة للحزب أمام اللبنانيين قبل غيرهم.

في عام 2009 حينما أصدرت المحكمة الدولية أمر إطلاق سراح ضباط الأمن اللبنانيين الأربعة من سجن رومية ببيروت على خلفية اتهام القضاء اللبناني لهم بالتورط في قضية اغتيال رفيق الحريري، كان حزب الله يعد احتفالية خارج أسوار السجن لاستقبال المتهمين المفرج عنهم، وأصدر الحزب بيانا يرحب فيه بقرار المحكمة الدولية ذكر فيه نصا: «إن منطق الثأر والعصبية والأداء الكيدي لا يجلب الحقيقة أو يحقق العدالة، والمطلوب دائما وفي أحلك الظروف التبصر والصدق والشفافية وتغليب منطق الحق وصولا إلى العدالة»، أي إن التبصر والصدق والشفافية وتغليب منطق الحق كانت سمات المحكمة التي أطلقت الضباط الأربعة.

ريمون عازار المدير السابق لمخابرات الجيش وأحد الضباط المفرج عنهم، صرح لقناة «المنار» التابعة لحزب الله فور خروجه من السجن، بأن «لولا القضاء الدولي وحكمته وعدالته لما أخلي سبيلنا اليوم»، والأمين السابق للأمن العام اللواء جميل السيد، صرخ في المايكروفون وقتها: «صح الصحيح لما طلعوا الضباط الأربعة بالمحكمة الدولية»، أما اللواء علي الحاج مدير قوى الأمن الداخلي السابق، فقال وهو يقف إلى جانب النائب عن حزب الله حسين الحاج حسن: «اليوم مثل ما نعتبر المحكمة الخاصة بلبنان اتخذت قرارا بنصرتنا وبإنصافنا وخروجنا، كنا نتمنى هذه العلامة الجيدة أن تكون على جبين القضاء اللبناني». استمرت العلاقة الطيبة بين حزب الله والمحكمة الدولية بتجاوب عناصره مع التحقيقات طوال فترة التحقيق، ولكن فجأة أصبحت المحكمة بعد اتهام الحزب ليست صحيحة ولا منصفة وليست علامة جيدة، فتحولت محكمة 2009 النزيهة إلى محكمة إسرائيلية في 2011.

كل المسرحيات الخطابية لنصر الله وحلفائه لا قيمة لها في النظام القضائي الدولي، ولا في أي قضاء، اليوم أمام نصر الله خيارات محدودة.. إما أن يتخذ الموقف الحضاري بتسليم المتهمين للقضاء الدولي وتوكيل فريق محاماة للدفاع عنهم، وإما أن يتبرأ منهم باتهامهم بالعمالة لإسرائيل، وهذا سيثبت تورط إسرائيل في اغتيال الحريري كما يدعي، وإما الخيار الثالث بأن يظل المتهمون فارين من العدالة، وهي ليست أول قضية يهربون منها، فهم أصحاب سوابق، كما هو حال عماد مغنية الذي عاش مطاردا من القضاء الدولي وتمت تصفيته على نمط المافيا في وضح النهار في عاصمة الدولة الحليفة.