نحن في بلاد أخرى!

TT

ليس أسخف من هذا البيت المشهور:

بلادي وإن جارت علي عزيزة

وأهلي وإن ضنوا علي كرام!

ومعناه أن بلاده إذا ظلمته فهي ليست ظالمة.. وأهله إن بخلوا عليه فهم في غاية الكرم.. أي إنه يقبل الهوان من بلاده.. ويقبل الشح من أهله!

فعلا كلام سخيف فبلادي إذا ظلمتني فهي ظالمة.. وأهلي إذا أمسكوا عني أيديهم فهم بخلاء.. وأنا أرفض الظلم أيا كان مصدره.

ولا أرضى بالقسوة من صديق أو من عدو! فإذا لم أجد راحتي في القاهرة؟ فلماذا لا أذهب إلى الإسكندرية أو مرسى مطروح أو إلى الغردقة أو إلى شرم الشيخ أو إلى الوادي الجديد، إلى كندا.. إلى استراليا؟ فمن حقي أن أعيش مثل خلق الله.. ناجحا كريما آمنا سعيدا في أسرة من اختياري.. وفي أي مكان.

كثير من المصريين قد فعلوا ذلك.. وهم أحسن حالا.. ففي سنة 1959 عندما ذهبت إلى استراليا لم أجد إلا ثلاثة من المصريين: فتاة تعمل في أحد الأندية الرياضية وواحدا في السجن وأنا.. وتمنيت أن يملأ المصريون هذه الجنة الخالية من الناس. كان بها ستة ملايين في ذلك الوقت ولكنها تتسع لمئات الملايين. ولا بد أن يقفز إليها الفائض من سكان الهند والصين وإندونيسيا. وقد استمعت في ذلك الوقت إلى محاضرة لعميد المؤرخين أرنولد توينبي يقول لشعب استراليا: أدخلوا الناس إلى بلادكم بالذوق قبل أن يدخلوها بالقوة!

وفي سنة 1986 ذهبت إلى استراليا فوجدت بها ربع مليون من المصريين ومثل هذا العدد من لبنان وسوريا.. وضعف هذا العدد من إيطاليا واليونان.. فليهاجر المصريون إلى أي مكان في الدنيا. سوف يكونون أفضل. بعض المصريين ذهب وبعد وقت قصير عاد.. لم ينجح.. طبيعي أن لا ينجح بعض الناس سواء أكانوا في مصر أم خارجها.. ولكن الحياة الواسعة والانضباط والفرص المتاحة بالعدل لكل الناس هي وحدها القادرة على إطلاق الطاقات الإبداعية وهذه حال المصريين في البلاد الأخرى!