انزلاقة مغربية

TT

ما كان مسكوتا عنه قبل ربيع الثورات بات مستحيلا بعدها.

فهذه الثورات أخرجت الآراء والمواقف من عقال الخوف والسرية إلى دائرة العلن..

هذا أمر يطال الدول التي نجحت ثوراتها وتلك التي تكابد شعوبها للوصول إلى حريتها أو الدول التي تحاول أن تتجنب رياح التغيير عبر خطوات إصلاحية محدودة وسريعة.

تحت خانة ما لم يعد مقبولا السكوت عنه، يمكن إدراج الخطوة التي أقدم عليها وزير الإعلام المغربي خالد الناصري؛ فقد استعمل المسؤول المغربي نفوذه لطرد صحافيين مغربيين شقيقين يعملان في إخبارية عربية لم يرق لوزير الإعلام التعامل المهني لأحدهما مع حدث الاستفتاء على الدستور الذي جرى في المغرب، فعمد إلى القنوات الدبلوماسية للضغط وطرد الشقيقين من القناة التي يعملان فيها..

ولكن الخطوة تستبطن قدرا إضافيا من الانتهاك، ذاك أن الشقيق الذي حُمّل تبعات موقف شقيقه استهدف هذه المرة بأكثر من سيف الرقابة والانتقام.. إنه ببساطة «شقيق المخطئ» والشقيق هدف الانتقام على ما دأبت عادات الانتقام والثأر تزويدنا به، ولن تعدم ذاكرتنا الحديثة قصصا عديدة عن شمول الأهل والعائلة في دائرة الاستهداف، ولنا في الدول التي تشهد حركات احتجاج أمثلة كثيرة.

أتت هذه الحادثة المغربية في ذروة عهد الثورات العربية وفي ذروة الحديث عن ربيع الديمقراطية في المغرب حيث تتسارع وتيرة التغييرات السياسية في البلاد منذ أن سارت مظاهرات سلمية قبل أربعة أشهر تقريبا قادتها حركة «20 فبراير».

ليست حادثة استهداف الشقيقين المغربيين حادثة معزولة في بلد له تاريخ حافل مع المعتقلات والسجون، لكن بالعودة إلى التاريخ الحديث، فإن المغرب قد شهد انتكاسات إعلامية وصحافية عدة، فقد سجن صحافيون؛ آخرهم رشيد نيني، وأقفلت مكاتب قنوات تلفزيونية كما حدث مع مكتب قناة «الجزيرة» قبل أشهر.. لكن فعلة وزير الإعلام أبرزت مؤشرا خطرا هو استعمال وزير وضعه الرسمي وموقعه لتصفية حسابات وإقالة مراسل وشقيقه لأن مقاربته في التغطية الإعلامية أزعجته.

هذه الحادثة كان يمكن أن تمر، وقد مرت مثيلات لها وأكثر في عهود ما قبل الثورات، أما بعد الثورات، فهذا مؤشر خطير على هشاشة الإصلاحات إذا مرت حادثة من هذا النوع من دون تعليق أو استدراك.

نعم، إن حادثة واحدة يمكن لها أن تكون مؤشرا يهز، وسيهز، مصداقية ما أقدم عليه الملك المغربي من إصلاحات بدت لثمانية وتسعين في المائة من المغاربة أنها جدية.

الوزير المغربي أصاب الشقيقين، وهذا أمر طفيف إذا ما قورن بإصابته لرزمة إصلاحات كبيرة في المغرب؛ إذ ما معنى الإصلاحات إذا لم تضمن هذه الإصلاحات عدم تدخل السياسة في شؤون الصحافة، وهذه علة مزمنة من الإنصاف القول إن المغرب ليس البلد العربي الوحيد المصاب بها، لكن قد تكون مرحلة الإصلاحات وتعديل الدستور فرصة للخروج من تراث استغلال النفوذ المزمن في منطقتنا.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام