تقسيم أفغانستان هو الحل الذي ينشده الأميركيون

TT

المفاوضات بين مسؤولين أميركيين وقادة من حركة طالبان مستمرة، وذلك للتوصل إلى ما يسمى بالتسوية السياسية التي تتيح انسحابا آمنا للقوات الغربية من أفغانستان. الجلسات كانت بدأت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2010 خارج مدينة ميونيخ الألمانية، وترأس اللقاء الأول دبلوماسي ألماني وشارك فيه مسؤولون قطريون بناء على طلب حركة طالبان، فهي تريد مشاركة طرف مسلم، وتعتبر قطر دولة حيادية بالنسبة لمشكلات أفغانستان.

الجلسة الثانية عقدت في الدوحة بقطر في شهر فبراير (شباط) الماضي، ثم عقدت الجلسات الأخرى، ولا تزال، بالقرب من مدينة ميونيخ بحضور المشاركين أنفسهم، خصوصا أن ألمانيا بذلت جهدا، ونجحت في أن يكون ممثلو طالبان يمثلون مجلس الشورى الحاكم الذي يرأسه الملا عمر. ويلاحظ غياب ممثلين عن حكومة حميد كرزاي الرئيس الأفغاني، وغياب ممثلين عن باكستان. وقال مسؤول باكستاني فضل عدم الكشف عن اسمه: «نعرف أن لقاءات عقدت وتُعقد بين مسؤولين أميركيين وممثلين عن طالبان في ألمانيا وقطر. ويبدو أنه وعن قصد أُبقيت باكستان بعيدة بطلب من الأميركيين لتقليص دورنا في المستقبل السياسي لأفغانستان».

هناك انطباع سائد في باكستان وأفغانستان أيضا، بأن الولايات المتحدة بالذات ومعها بريطانيا تعملان حسب خطة «بلاكويل» فيما يتعلق بالانسحاب من أفغانستان. الخطة سميت كذلك نسبة إلى روبرت بلاكويل الذي كان مسؤولا في مجلس الأمن القومي زمن الرئيس السابق جورج دبليو بوش، وكان رأى أن الحل الأفغاني الأفضل، يكون بتقسيم تلك البلاد على امتداد خط الصدع العرقي الرئيسي للبشتون. وركزت الخطة على ضرورة أن تخلي الولايات المتحدة المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية من أفغانستان تاركة لطالبان استلام الحكم فيها، وتسحب بالتالي قواتها من هناك إلى ملاذ آمن في المنطقة الشمالية حيث السكان من غير البشتون، ومن هناك يمكن لأميركا الحفاظ على فعالية عملياتها لمكافحة التمرد من خلال القوات الخاصة أو استخدام القوة الجوية.

التحركات من قبل الولايات المتحدة لإجراء محادثات مباشرة مع طالبان من دون إشراك السلطات في أفغانستان أو باكستان، وكذلك قرار الإزالة التدريجية للعقوبات ضد زعماء محددين منهم وافقوا على تقديم تنازلات، تتناغم مع أهداف خطة بلاكويل. وتهدف الولايات المتحدة إلى إقناع طالبان بالتخلي عن معارضتها الحادة لوجود عسكري، طويل الأمد، لقوات الحلف الأطلسي بقيادة أميركية في جبال هندوكوش.

أما طالبان فتأمل في استعادة المعاقل التي خسرتها في المناطق التي يسيطر عليها البشتون في الجنوب وجنوب شرقي أفغانستان، وهي وضعت في الاعتبار أنه وخلال السنتين الماضيتين، كانت الولايات المتحدة تنفق الأموال الضخمة على تجديد أو إعادة بناء قواعد في مناطق غير البشتون في أفغانستان لتحسين الأوضاع المعيشية فيها وجعلها، تقريبا، على قدم المساواة مع المعايير الغربية.

هذا الشهر، وحسب ما وعد به الرئيس الأميركي باراك أوباما، تبدأ الولايات المتحدة في سحب 30 ألف جندي أميركي، الرقم الذي تم نشره العام الماضي، لرفع عديد القوات الأميركية هناك.

ما تجدر ملاحظته، هو الدور الذي تضطلع به ألمانيا في وضع أسس خطة سلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان. وكانت مجلة «دير شبيغل» أول من أشار إلى أن أكثر من جلسة عقدت في ألمانيا بين مساعد رئيسي للملا عمر ومسؤولين أميركيين. وفي 19 من الشهر الماضي أكد وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس هذا الأمر.

تنتشر القوات الألمانية في منطقة «آمو داريا»، التي تمتد على طول «الملاذ الآمن» الذي حدده «بلاكويل» لنقل القوات الأميركية على أساس طويل الأجل. وكانت القوات الألمانية، بدأت في الأشهر الأخيرة حملة عسكرية قوية لمكافحة التمرد في المنطقة الشمالية بهدف تطهيرها، وأدى ذلك إلى هجمات انتقامية من جانب المسلحين. العمليات الألمانية تتماشى مع خطة «بلاكويل».

ركز الألمان على إقامة علاقات عمل جيدة مع الحكومة الأوزبكية في طشقند، وتستخدم القوات الألمانية، وعلى نطاق واسع القاعدة العسكرية «ترمز»، وهذه كانت أكبر قاعدة سوفياتية في آسيا الوسطى، وقاعدة إمداد للعمليات في المنطقة الشمالية. وقيد الإنشاء حاليا خطوط السكك الحديدية التي تربط مزار الشريف (شمال أفغانستان) مع «ترمز» عبر «آمو داريا»، وهذه ستربط أفغانستان مع شبكة سكك حديد الحقبة السوفياتية، والتي ستمتد حتى تصل إلى برلين.

وقد استغل الألمان أيضا، توسيع علاقاتهم الاستراتيجية الخاصة مع روسيا، لتطوير منهجية طريق عبور أراض روسية، الأمر الذي سيتيح لهم نقل الإمدادات إلى أفغانستان عبر «ترمز» مما سيسمح لقوات حلف شمال الأطلسي بتخفيض اعتمادها على الطرق الباكستانية. وقد سمحت روسيا في الفترة الأخيرة، بنقل أسلحة وذخائر عبر هذا الطريق الذي - حسب خبراء استراتيجيين - قد يكون في نهاية المطاف «طريق الحرير الجديد».

خطة «بلاكويل» تحمل في طياتها خطر تفتيت الأمة الأفغانية. فما جعل أفغانستان موحدة تاريخيا هو ارتباط ضعيف للقبائل والأعراق المختلفة بما يسمى الدولة. لكن هذه الاختلافات لا تزال تمثل تحديات للوحدة الوطنية. القبائل الأفغانية، توحدها مواجهة عدو واحد، تعود بعده إلى صراعاتها الداخلية.

إذا تهددت الآن الوحدة الوطنية الأفغانية، فإن العواقب ستكون خطيرة جدا بالنسبة إلى باكستان، وسوف تكون مسألة وقت فقط قبل أن تبدأ مخلفات البشتون الممتدة على «خط دوراند» بزعزعة استقرار باكستان، وأي توتر متصاعد على خطوط الانشقاق العرقي، أو تعزيز الهويات العرقية في أفغانستان وباكستان، سيكون له بدوره، انعكاسات سلبية خطيرة على إيران ودول آسيا الوسطى.

الشهر الماضي، وأثناء زيارة وفد ألماني عالي المستوى إلى روالبندي، أبلغهم قائد الجيش الباكستاني برويز كياني بصراحة: «إن استقرار باكستان ستكون له الأولوية الأولى».

من هنا يتبين معنى الاهتمام الإيراني بزيارة حامد كرزاي وآصف زرداري (الرئيسين الأفغاني والباكستاني) لطهران قبل أسبوعين. إذ إن لدى الثلاثة «مصلحة وجودية» لإحباط خطة السلام الأميركية (بلاكويل)، والتفاوض مباشرة مع حركة طالبان من وراء ظهورهم.

باكستان بالذات قلقة. زعماء باكستانيون زاروا موسكو وبكين، وزرداري زار إيران وبريطانيا. في إيران نال وعودا اقتصادية وفي بريطانيا نال تطمينات من رئيس الوزراء ديفيد كاميرون.

الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قال أخيرا إن لدى طهران ما يثبت أن الولايات المتحدة تخطط للاستيلاء على السلاح النووي الباكستاني. (اللافت أن هذا الأمر قد نوقش بجدية الأسبوع الماضي في لندن وواشنطن). أيضا زار وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي كابل في نهاية الشهر الماضي وحث نظيره عبد الرحمن ورداك على مواجهة إقامة قواعد أميركية في أفغانستان، ووقع الاثنان اتفاقيات تعاون أمني. هل ضمنت إيران العراق، وتريد أن تمدد نفوذها في اتجاه أفغانستان؟ هي تخلت عن نهجها المتحفظ هناك، وترمي إلى ضرب عصفور باكستان بحجر أفغانستان؟ أبلغت زرداري أنها أنهت بناء ألف كيلومتر من الأنبوب الذي سينقل الغاز الإيراني إلى باكستان (تعارضه الولايات المتحدة)، ويبقى على باكستان بناء المائة كيلومتر المتبقية. ووعدته أيضا ببناء محولات كهربائية على طول الخط لوصل الكهرباء الباكستانية بتلك الإيرانية. ووعدته ببيع ألف ميغاواط ساعة كهربائية بأسعار مخفضة.

الاستراتيجية الأميركية الكبرى، ستتعرض لتطويق إقليمي. وأفغانستان صارت الثمرة المنتظر نضوجها. هناك تحسن في العلاقة الروسية - الباكستانية، وينتظر عودة روسية إلى أفغانستان، وتتطلع «منظمة تعاون شنغهاي» للعب دور أساسي في أفغانستان ما بعد عام 2014، ثم هناك تقدم في الحوار الهندي - الباكستاني وقد تنضم الدولتان إلى «منظمة تعاون شنغهاي».

الأسرع في الهجوم «الودي» على أفغانستان وباكستان كانت إيران. أما ما استثمره العرب هناك، فيبدو أن كله سيذهب أدراج الرياح.