بانتظار المائة يوم

TT

في زمن تشهد فيه الجمهوريات «الأبدية السرمدية» في العالم العربي انتفاضات شعبية على حكامها التقليديين – كي لا نقول المزمنين - كان يفترض بالجمهورية اللبنانية أن تتباهى بأن نظامها الديمقراطي، على هشاشته، شكل ضمانة يصعب التقليل من دورها في ضمان سلمها الأهلي.

ولأن لبنان هو، بتركيبته وذهنيته، بلد التسويات الدائمة وبلد بدعة «اللاغالب ولا مغلوب»، يجوز اعتبار ديمقراطيته التوافقية – والأصح الطوائفية - صيغة «اجتماعية» لمراعاة الحد الأدنى من متطلبات تعايش مذاهبه الـ17، وفي الوقت نفسه صيغة سياسية معقولة، وإن متبدلة بين الفينة والفينة، لموازنة قواه السياسية والطائفية بحيث لا تطغى هذه على تلك ويبقى شعار «الوحدة الوطنية» مطروحا، إن لم يكن قائما بالفعل.

لكن المتابع اليوم للجدل السياسي المستعر بين قوى «14 آذار» ورئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، لا يسعه إلا أن يتساءل عما إذا كانت الممارسة «الديمقراطية» في لبنان تأخذ في حساباتها قواعد الحرية المتاحة لمناقشة الخلافات السياسية، أم أنها أصبحت مدخلا إعلاميا لتأجيج هذه الخلافات في وقت يحتاج فيه لبنان، أكثر ما يحتاج، إلى حوار هادئ بين كل مكوناته السياسية - الطائفية.

على سبيل المثال لا الحصر، أن تأخذ قوى «14 آذار» على بيان حكومة ميقاتي اعتماد «فقرة ملتبسة» في وصف موقفها بالمحكمة الدولية ملاحظة يمكن البناء عليها وحتى الاستطراد في تفسيرها.

لكن أن يتهم الرئيس ميقاتي بـ«التنكر لدماء الشهداء» ودفع الدولة خارج الشرعية الدولية هو استباق غير مبرر لما يمكن أن تتخذه حكومته من موقف رسمي حيال المحكمة وقراراتها، خصوصا في ظل ما تؤكده بعض القوى السياسية الممثلة فيها من التزام بالمحكمة والعدالة الدولية.

والواقع أن موضوع قرارات المحكمة الدولية سيكون الاختبار العملي لاستقلالية القوى الوسطية المشاركة في حكومة لا ينكر أحد طغيان «اللون الواحد» على تركيبتها.

في الدول الديمقراطية كلها تعطى الحكومات الجديدة، أو العهود الجديدة، «هدنة» مائة يوم في الحكم لتبيان أدائها وإثبات نواياها قبل الحكم عليها سلبا أو إيجابا. فهل كثير على من انتظر 6 سنوات صدور أول قرار ظني من المحكمة الدولية أن ينتظر مائة يوم أخرى لاتضاح طريقة تعامل حكومة ميقاتي مع قرارات بدأت حساسياتها باستقطاب اللبنانيين من جديد على خلفيات مذهبية؟

اللهم ليس دفاعا عن حكومة ميقاتي – ولا ندري كم له من سلطة عليها لتستحق تسمية «حكومة ميقاتي» – ولكن إفساحا في المجال لتمكينه من إظهار مدى قدرته (ولا نقول استعداده) لأن يؤكد من السراي الحكومي ما تعهد به في بيانه الوزاري من «احترام للقرارات الدولية» وحرص «على جلاء الحقيقة وتبيانها في جريمة اغتيال» رفيق الحريري والكثير من السياسيين والإعلاميين البارزين.

عندها لكل حادث حديث، وحديث مبرر ومطلوب معا.

هذا من حيث المبدأ.

أما من حيث الشكل، فإن استهداف قوى «14 آذار» الرئيس ميقاتي بهجومها الحاد، دون غيره من «الغيورين» على المحكمة الدولية، يوحي بأن الدافع الضمني لهجومها ليس تحذير ميقاتي من مغبة تجاهل قرارات المحكمة الدولية فحسب، بل «الاقتصاص» منه لخروجه عن صفوفها وقبوله بتشكيل ما يسمونه حكومة حزب الله.

وهنا، شئنا أم أبينا، بيت القصيد: ما دامت قوى «14 آذار» تعتبر أن حكومة ميقاتي هي حكومة حزب الله، وما دام حزب الله نفسه اعتبر، بلسان أمينه العام السيد حسن نصر الله، أن من العبث «إحراج» ميقاتي - أو أي رئيس حكومة آخر - بتنفيذ قرارات المحكمة الدولية.. فلماذا تتغاضى هذه القوى عن تسمية الأمور بأسمائها وتتجنب تركيز هجومها على الجهة المسؤولة فعلا عن عرقلة تنفيذ قرارات المحكمة؟

غني عن القول: إنه لا حاجة لهجوم كهذا أن يمر بهدنة مائة يوم.