النداء المتكرر: اتقوا البطالة

TT

مع نهاية الموسم الدراسي وفرحة عشرات الألوف من خريجي الجامعات السعودية بتخرجهم، يكرر رجل الأمن الأول في المملكة التحذير من البطالة، ويكرر دعوة المعنيين لوضع خطط انتشال العاطلين عن العمل من هذه الرمال المتحركة.. إنه أمر مثير للمخاوف والقلق.

الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السعودي، ربط بين البطالة ومعدلات الجريمة، وكان حديثه الأخير في لقائه بمدير جامعة الملك سعود مدعاة للقلق، وفيه دعوة صريحة للجامعات السعودية بشكل عام ولجامعة الملك سعود بشكل خاص لوضع سياسات وطنية، خارطة طريق للمديين القريب والبعيد، للتعامل مع معضلة في طريقها للتحول إلى ظاهرة إن لم يدركها المسعفون.

في الصحيفة نفسها التي قرأت فيها تصريح الأمير نايف كان هناك خبر صحافي مجاور عن القبض على ثلاثة شبان من العاطلين عن العمل لسطوهم على منازل في أحد أحياء مدينة الرياض السكنية.

الموضوع إذن بالغ الحساسية، ولم تعد الحاجة اقتصادية فقط، بل أمنية.

فيما أذكره من سنوات فائتة، كان الحديث دائما عن ضرورة أن تقوم الجامعة بإكساب الطلاب مهارات تتيح لهم الظهور على مسرح العمل بشكل يجذب إليهم أو يجذبهم لأرباب العمل، فاستجابت الجامعات بإنشاء إدارات متخصصة للتدريب والتطوير، وبرامج تأهيلية في تخصصات متنوعة، حتى برامجها الأكاديمية تغيرت وتبدلت وتحورت لتتناسب وما تعتقد أنه مطالب سوق العمل.

الحقيقة أن هذه الخطوات، على أهميتها، هي نصف الصورة، وليست الصورة كاملة؛ حيث ثبت أن الطلاب الخريجين والمؤهلين ممن لا غبار عليهم ولا تشوبهم شائبة، ظلوا أيضا عاطلين. فهل كان لوم الجامعات مراوغة من سوق العمل، أم جهلا بمكمن المشكلة؟

الاتجاه المتعارف عليه أن سوق العمل تقدم مقادير طبخة الموظف للجامعات، التي تقوم بتحضير الطالب وفقا لها ثم تقدمه بالنهاية على طبق من فضة لسوق العمل التي قد تقبله وقد ترفضه.

لقد وقعت الجامعات في فخ مزاج السوق في وجود غموض وجهل بالاحتياجات الفعلية له، وثبت أن نهاية هذا الاتجاه طريق مغلق.

والسبب منطقي، وهو أن سوق العمل متغيرة وليست ثابتة.

في الولايات المتحدة، تصدر تقارير دورية للمهن الأعلى والأقل دخلا، والمهن ذات العوائد المرتفعة، على الرغم من أنها لا تشترط شهادة جامعية، والمهن التي كانت العام الفائت مرتفعة الدخل ثم انخفضت عوائدها أو قل الطلب عليها، والمهن المتوقع أن تحتل المراكز الأولى في مداخيلها والأخرى المتوقع أن تكون في ذيل القائمة بعد سنوات قليلة. بمعنى آخر: المجتمع يتحرك وفق خريطة واضحة المسارات، ولا يترك نفسه عرضة للمفاجآت، والتشريعات المنظمة تمتلك قاعدة ترسو عليها وليست معلقة في الهواء.

كيف يمكن حل مشكلة البطالة في المملكة إن كان المجتمع بأرباب العمل فيه، وبمؤسسات التعليم، وبأفراده، لا يملك معلومات واضحة عن وضع السوق السعودية، ولا تأثيرات العوامل الخارجية عليها، ولا قراءات مستقبلية لمدى التغير فيها؟

سأضرب لكم مثالا: في جامعة الملك سعود أُنشئت إدارة خاصة بالإرشاد المهني، وهي تكافح للحصول على المعلومات التي ترشد بها الطلاب الجدد والكليات عن التخصصات المتوقع أن الطلب سيكون مرتفعا عليها بعد 4 سنوات.. لماذا تكافح الجامعة للبحث عن إبرة في كومة قش، في حين يفترض أن تلتقط الإبرة برشاقة من مكانها الصحيح؟

أول خطوة في هذه الدوامة هي قاعدة بيانات شفافة، دليل إرشادي تطلقه وزارة العمل، يوضح نسبة الوظائف المعروضة، وطبيعتها، ونسبة الطلب عليها، والعمر الافتراضي لهذه الأرقام، ومدى التغير المتوقع فيها، تأثرا بعوامل خارجية، على اعتبار أن سوق العمل المحلية مرآة للسوق العالمية.

الخطوة التالية أن تتخذ الجامعات دور المستشار الوطني، فتأخذ البيانات المتاحة بعين الاعتبار في وضع سياسات جريئة، تكتيكية واستراتيجية تتجاوز طبيعة دور الجامعة التعليمي، وأنا متأكدة من أنها ستكون محفوفة بمباركة من القيادة السياسية ما دامت تستهدف الصالح العام.

الأفكار كثيرة والحلول متشعبة والآمال واسعة، وبحجم الحيرة في تحديد موضع مبضع الجراح، تكون الحاجة للإسراع في محاصرة المشكلة ومواجهتها بشجاعة. فلا يكفي لتوظيف خريجي الجامعات السعودية استحداث 400 ألف وظيفة بعدد سكان مدينة تبوك في شمال المملكة، بل نحتاج إلى 5 ملايين وظيفة، بعدد سكان مدينة الرياض، العاصمة.