الصمود والقعود

TT

هل يجوز أن تطلق حكما على شعب بأكمله؟ اسمحوا لي أن أفعل.. أنا الذي أحب اليونان وأحب في اليونان ذات شباب. تسيء إلي اليونان اليوم كبشري من هذا العالم. دولة اتكالية فالتة بددت 600 مليار دولار وتصر على رفض التقشف، وتتظاهر مثل الفاجرات. واليابان التي لا أعرفها ولا أفهم حروف لغتها ولا أعرف حضارتها ولا أطيق تاريخها الاستعماري، هذه اليابان، يا إلهي ما هذه اليابان؟.. هذه اليابان دمرت شرقها الزلازل ومحت مدنه، وهددها التسرب النووي، ووقف المشردون في الطوابير. مئات الآلاف وقفوا ساعات، صامتين، من أجل كمشة من الأرز وكوب من الشاي. لا تذمر ولا تكسير واجهات ولا حرق سيارات ولا هتافات ضد أحد. وأنا أحب اليابان ولا أحب اليونان، وأكره الفاجرين والمبتزين والكسالى والعالات.

أنستنا الثورات العربية أن اليابان تعرضت لأسوأ أنواع الكوارث، ومضت وحيدة تعيد بناء مناطق حملها البحر كما يحمل الصقر فراشة.. طمرتها المياه وأغرقت آلاف الناس وآلاف البشر، وجردتها حتى من الملاجئ.. والأطفال لا يبكون.. والعجائز لا يئنون.

وبينما تنزل اليونان إلى الشوارع، بلدا مفلسا لا يريد التوقف عن البذخ، تعيد اليابان بناء الشركات المتضررة والبيوت التي لم يعد لها أثر، والمدارس التي زالت من الوجود.

كم تليق كلمة الصمود بهذا الشعب، وكم تصغر أمامه كلمة التحدي. أربعة أشهر من المظاهرات في تونس ومصر وسوريا أوهنت الاقتصاد، وليبيا البلد النفطي يعيش نصفه بلا بترول، و«البلطجية» و«الشبيحة» و«الفلتانين» يسرقون بيوت الأوادم وأموالهم.. واليونانيون يتظاهرون مطالبين بحقوقهم في السهر إلى الصبح، وفي قيلولة بعد الظهر التي يضمنها قانون «عدم الإزعاج».

لنحاول أن نراقب هذين البلدين، رغم ما نحن فيه.. كيف ستخرج اليابان وهي متقدمة حتى على نفسها في الصناعة والزراعة والاختراع، وكيف ستظل ترسل إلى العالم أضمن السيارات وأجمل الثياب وأفضل آلات الزراعة.. فلنر كيف ستعمل مثل قفير النحل، وكيف ستوفر مثل وكر النمل.. فلنتعلم من هذا الشعب الذي يقف ساعات وأياما في الطابور من دون أن يصفع أحد الذي أمامه، أو يحاول أن يعري مذيعة التلفزيون إلى جانبه.. لكن من الصعب أن نتعلم. هناك شعوب عاملة وهناك اليونان، الصرّار الأبدي الذي لا يكف عن البلطجة على رزق النمل.