يجب أن نرضى بالمقسوم!

TT

اطبخي يا جارية كلف يا سيد.. عبقري ذلك الرجل الذي اخترع هذا التعبير: الإمكانيات المتاحة.. أو المواد المتاحة!

فهذا التعبير معناه: على قدر الإمكان.. على قدر المستطاع.

أو: على قد لحافك مدد رجليك.

أو: العين بصيرة واليد قصيرة.

أو: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

لا تلم سيفي إذا السيف نبا.

أو معناه: لكل عالم هفوة، ولكل سيف نبوة، ولكل جواد كبوة.. وعشرات من التعبيرات التي اخترعها الإنسان في كل العصور.. وكلها تدل على أن الإنسان يريد الكثير ويحلم بالكثير جدا ولكنه لا يستطيع إلا القليل، فالأعمال - إذن - بالنيات ولكل امرئ ما نوى.

ولكن هل صحيح أن الإمكانيات التي أمامنا ليست بعدها إمكانيات أخرى.. أو بعبارة أخرى: هل صحيح أننا عاجزون تماما، وأنه أمام هذا العجز ليس لنا إلا الأمل.. أو اليأس من القيام بأي شيء آخر؟!

ألا يحدث كثيرا أن يكون الإنسان هو الذي قرر أنه عاجز عن فعل شيء؟ وبذلك لا يكون هناك عجز عن عمل شيء.. وإنما هو «تعجيز»، وأننا نحن الذين نخترع هذا «التعجيز» حتى نصل إلى حالة من اليأس. واليأس معناه أن تتعادل في نفوسنا الرغبة القوية والعجز التام.. تماما كما تقف بك السيارة فجأة لأن البنزين قد نفد. وأقصى ما تستطيع أن تفعل أن «تزقها» لتقف إلى جانب الرصيف.

وتكون عملية «الزق» هذه هي «الإمكانيات المتاحة» في مثل هذه الظروف!

ونسرف في استخدام هذا التعبير بصورة مضحكة. مثلا: إذا اختلف بائع وزبون، فما كان من البائع بسبب الضغط الشديد عليه في البيت وفي المواصلات وفي الإدارة إلا أن يشتم الزبون. فيلومه زملاؤه كيف لم تخبطه «قلمين وشلوتين؟» فيكون رد البائع: لقد كانت الفلوس في يدي.. ثم إن رجلي كانت تحت الترابيزة.. فلم أملك إلا أن أشتمه. فالشتيمة هي الإمكانيات المتاحة؟!

عبقري صاحب هذه العبارة.. فقد أنقذ المسؤولين من أزمات عنيفة.. ولم يخطر على باله أن يكون هذا التعبير هو المبرر الوحيد لشتم الناس وقطع المياه والنور وملء الشوارع بالحفر والوقوف في الطوابير!