الإعلام والسياسة

TT

نعت الصحافة البريطانية، هذا الأسبوع، إحدى أشهر صحف التابلويد، أو قل: صحف الفضائح، «نيوز أوف ذي وورلد»، بسطر واحد، قالت فيه: «وفاة صحيفة الفضائح الجنسية»، لكن القصة أكبر من إغلاق صحيفة عمرها 168 عاما بالطبع.

فوفاة صحيفة الفضائح كانت إيذانا أيضا بنهاية، أو إعادة تعريف، العلاقة بين السياسي والإعلامي في بريطانيا، التي ابتدأتها رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارغريت ثاتشر، من أجل أن تضمن دعم الصحافة لها في معاركها السياسية. ويقول لي صديق يُعتبر مرجعا في التاريخ البريطاني السياسي إن القصة أكبر من قصة إغلاق إحدى صحف إمبراطورية روبرت مردوخ الإعلامية، التي مكنته من لعب أدوار سياسية مذهلة، فالقصة هي قصة إعادة تعريف العلاقة بين الإعلام والسياسة. وهذا ما أقره رئيس الوزراء البريطاني نفسه، أول من أمس، عندما قال إن قادة الأحزاب ببريطانيا تجاهلوا أخطار علاقة الإعلام بالسياسة، بسبب التنافس من أجل كسب تأييد الصحف.

وبالطبع، فإن الدروس المستفادة من فضيحة صحيفة الفضائح التي أقدمت على التجسس على قرابة 4 آلاف شخص ببريطانيا؛ من الأسرة المالكة، إلى ضحايا الجرائم، والمشاهير، وأسر ضحايا الجيش البريطاني، تعتبر دروسا كبيرة، فالصحافة البريطانية نفسها باتت اليوم مرشحة لإعادة النظر في كثير من معاييرها تحت ضغط اجتماعي كبير، فهناك مطالبات بسن قوانين صارمة إضافية على الصحافة تفوق ما هو موجود، فبريطانيا تعد إحدى أشرس الدول بقوانينها ضد الصحافة، على الرغم من كل الحرية المتاحة فيها. إلا أن صحافة الفضائح قد نجحت في لي ذراع الساسة، خصوصا أن تلك الصحف، ومنها «نيوز أوف ذي وورلد»، تركز دائما على الفضائح الجنسية، على عكس الصحافة الفرنسية مثلا، التي تلتزم بعرف يقول إن المال هو الفضيحة، وليس الجنس.

وبالنسبة لعلاقة السياسة بالإعلام، فإن الدرس المستفاد هو أن سيطرة السياسي على الإعلامي قد تؤدي إلى حجب الحقائق، لكن سيطرة الإعلامي على السياسي قد تؤدي إلى الفساد، بكل أنواعه. وكما قال لي صديقي النابه، فإن ما ستمر به بريطانيا اليوم هو إعادة تعريف العلاقة بين السياسي والإعلامي، هذا إذا لم تصبح قصة صحيفة الفضائح أمرا أشبه بووتر غيت الأميركية، إلا أن الواضح اليوم، وكما قال لي الصديق النابه، أن الصحافة بات عليها القيام بدورها النقدي، بينما على السياسي أن يقوم بإقناع الرأي العام بالوسائل المتبعة في التعامل مع الصحافة، سواء الحوارات، أو التسريبات، وهكذا، وهو أمر يبدع فيه السياسي الأميركي كثيرا، فالأمر أشبه بفن له شروط، وليس اجتهادات وحسب.

هذه جملة دروس من قصة إغلاق صحيفة الفضائح البريطانية، ومنها بالطبع أن من كشف فضيحة تلك الصحيفة كان الصحف البريطانية الرصينة نفسها، وكم كان لافتا ما كتبته صحيفة «فاينانشيال تايمز» في أحد تقاريرها عن إغلاق صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»؛ حيث قالت إن وفاة صحيفة الفضائح «بالنسبة للمعنيين في صناعة الصحافة، كان خبرا مذهلا، أشبه بالاغتيال، لكنه أقرب إلى اغتيال أسامة بن لادن.. وليس اغتيال جون كيندي»!، ولذا تظل الصحف الرصينة أكثر تأثيرا من غيرها.

[email protected]