يوم الجمعة 2011!

TT

ما يقال ويحدث في مصر وسوريا واليمن وليبيا منذ الأشهر الستة الأخيرة، يمثل بالفعل مخبرا فكريا وعلميا قلما يجود به التاريخ والحراك الاجتماعي للشعوب.

ذلك أن البعد الاجتماعي العفوي للثورات العربية كشف عن مرجعيات الوعي وسلوك الفرد العربي بشكل غير مسبوق من حيث شدة الوضوح.

ويكفي أن نمعن النظر والتفكير في بعض تفاصيل الرزنامة الزمنية أو المعجم الأساس لثورات مصر وسوريا واليمن وليبيا حتى تتهاطل علينا ملاحظات وبوادر استنتاجات مهمة وبالغة الدقة. من هذه التفاصيل الصغيرة الكبيرة نذكر المكانة الرمزية التي أعطاها الثائرون في البلدان المذكورة ليوم الجمعة، حيث مثل الموعد المقدس الذي من خلاله نقيس المنجز الثوري من ناحية تصاعد المطالب وتفاقم التوتر بين المعارضين الثائرين والأنظمة والموالين لها.

ولا نعتقد أن الهالة التي عرفها يوم الجمعة في رزنامات الثورات العربية الراهنة ذات صلة بكونه يوم راحة. بل إنه يتجاوز دلالاته كيوم عطلة لصالح تغليب الدلالة الدينية ليوم الجمعة في الزمن الإسلامي. من ذلك أن الشعارات التي أطلقت نجد «الله أكبر»، و«جمعة ثورة حتى النصر» و«جمعة القصاص للشهداء»، ناهيك عن خروج المظاهرات بعد موعد صلاة الجمعة، وهي تفاصيل تؤكد أن تركيز المعارضين والثائرين على يوم الجمعة إنما يستند إلى توظيف الرمزية الدينية، أي أنه اليوم الذي يمنح الثائرين القوة والطاقة أكثر من أي يوم آخر، وهو ما تدعمه أبحاث غابريال لوبرا التي تصف الدين بمصدر القوة والطاقة، وبالتالي ربما يمكن الاستنتاج أن الثورات العربية ذات التطلعات التقدمية الديمقراطية تقوم في جانب منها على مستندات دينية توظف الرمزية، فإذا بالثورة تستعير بعضا من أدوات الجهاد معجما (الله أكبر - الشهداء) وأيضا الجانب الطقوسي الديني (صلاة الجمعة) على نحو يشير إلى نوع من «أسلمة» الثورة من خلال توظيف الديني في عملية التجييش الشعبي.

ونعتقد أن هذا المعطى من المهم الانتباه إليه، لأنه من الخطأ الظن أنه ليس أكثر من توظيف ظرفي من أجل تحقيق الثورة. فهو معطى سوسيولوجي ثقافي لم تتوان عن استثماره حتى النخب الموصوفة بالعلمانية، مما يحتم إدراجه ضمن البنود التي ستخضع إلى الحوار والنقاش في المراحل الانتقالية وما بعدها.

لا يزال الديني مصدر قوة وطاقة حتى وإن كانت المطالب ذات صلة بالكرامة والحرية والخبز والعدالة الاجتماعية الغائبة.

ولعل تسجيل فارق في هذه الجزئية بالذات بين ثورات مصر وسوريا واليمن وليبيا وثورة تونس لا يخلو من دلالة، إذ لم تمنح الثورة التونسية قدسية لأي يوم من الأيام، لا «الأحد» ولا «الجمعة» وخلت الشعارات من التوظيف الديني. وهو ما يعني أن حدوث الثورة التونسية يوم الجمعة 14 يناير (كانون الثاني) ليس أكثر من صدفة.

ومن الصعب الاقتصار في تفسير غياب توظيف الديني في ثورة تونس فقط بغياب حركة النهضة عن المشهد السياسي الداخلي آنذاك.

إن دلالات توظيف يوم الجمعة في الثورات العربية جدير بالمقاربة السوسيولوجية وبأن يكون موضوع دراسات تحفر عميقا في جدلية الديني والثوري في الثورات العربية.