الساسة ومرض النسيان

TT

أصبحت النكتة البروفسورية فصلا كاملا في دنيا الفكاهة، كما ذكرت سابقا. الجمال فيها براءتها. بيد أن نسيان الساسة ورجال الدولة ليس على ذلك الجمال والبراءة، ولا سيما عندما ينطوي على الغش والتمويه ومخادعة الجمهور. وأي سياسي في العالم لا ينسى أو يتناسى وعوده وبرامجه وأجندته بعد أن يتسلم الحكم.

ومع ذلك، فهناك الكثير من الطرائف البريئة المتعلقة بنسيان الساسة. منها ما كاد يودي بحياة رئيس الولايات المتحدة الأميركية، جورج بوش. قرر الاحتفال بيوم ميلاده عام 1999 بالهبوط بباراشوت أمام المحتفلين بميلاده. أغمضت زوجته عينيها عندما فتحت باب الطائرة ليقفز. قفز ونزل بسلام. قالت «إذا كرر هذه العملية مرة ثانية، فإن لم يمت بها فسأموت أنا». ولكنه كررها بالفعل بعد خمس سنوات. وفي هذه المرة، كاد يحقق لها ما فكرت فيه. قفز من الطائرة ونسي أن يكبس على زر الباراشوت.

لحسن الحظ، احتاط المسؤولون لذلك. كان معه جندي شاب يصاحبه في القفزة. لم ينس الجندي مهمته.

تزداد آفة النسيان قوة عندما يكون الرجل من أهل الفكر بالإضافة لأهل السياسة، كجيمي كارتر. حالما تسلم منصبه زوده البنتاغون بمفتاح الرد النووي في حالة تعرض البلاد لهجوم نووي. حمل المفتاح حارس يحمل مسدسا فاتكا مع صلاحية بإطلاق الرصاص على أي إنسان يمد يده إليه. ولم يسمح لكارتر بالذهاب لأي مكان من دون مصاحبة ذلك الحارس. ارتعدت فرائص البنتاغون عندما اكتشفوا أن كارتر ذهب للاسترواح في مزرعته ونسي الحارس في بيت على مسافة عشرة أميال منه.

ولم تكن أول هزة للبنتاغون مع جيمي كارتر. فبعد آونة قصيرة تلقوا مكالمة من شركة غسل الملابس, تعلمهم بأن كارتر بعث إليهم ببدلته للتنظيف ونسي فيها البطاقة السرية التي تثبت أن حاملها هو بالذات رئيس الولايات المتحدة الأميركية وصاحب الحق في إطلاق القنابل النووية!

والله الساتر!

بيد أن الحكاية النسيانية التي أعجبتني وأنا طفل صغير، يوم كنا في العراق نتعاطف مع هتلر وألمانيا النازية عام 1939. بعد مفاوضات مضنية جرت بين جوزيف شامبرلن رئيس الحكومة البريطانية، وأدولف هتلر في ميونيخ، وأسفرت عن ذلك الاتفاق الشهير والخطير بين البلدين، ركب شامبرلن طائرته حاملا تلك الورقة المشؤومة وانطلق عائدا بها إلى لندن. ولكنه وهو على تلك الحالة من الانفعال والابتهاج، نسي مظلته. لاحظ هتلر ذلك، فأمر أحد الطيارين بالانطلاق بها لتسليمها لرئيس الحكومة البريطانية حال وصوله إلى لندن. وجرت المسابقة، وبالفعل وصلت طائرة المزشمت الألمانية وحطت في مطار لندن العسكري قبل أن تصله الطائرة البريطانية. وما إن فتش شامبرلن عن مظلته عبثا ونزل من دونها، حتى وجد الضابط الألماني في انتظاره ليؤدي له التحية العسكرية ويسلمه مظلته «مع تحيات الفوهرر».

وكان إنذارا بليغا للحلفاء: خلوا بالكم من طائراتنا!