نظام الأسد وحكمة معاوية!

TT

خرجت السيدة بثينة شعبان، مستشارة الرئيس بشار الأسد، على «بي بي سي»، مهاجمةً أميركا، وتحديدا سفيرها في دمشق، بعد زيارته الأخيرة لحماه. لكن شعبان استدركت قائلة: «إن سوريا لا تريد قطع شعرة معاوية مع الإدارة الأميركية»!

فيا سبحان الله.. الآن تذكر نظام دمشق، الحليف الوثيق لإيران، معاوية وحكمته؟ الآن أصبحت حكمة معاوية ضالة نظام الأسد الذي لم يترك فرصة إلا وطمس فيها معالم معاوية، وغيره، من تاريخ سوريا؟ فإذا كان النظام، ومستشارو الرئيس، يعون حكمة معاوية، خصوصا مقولته الشهيرة «لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها»، فكان من الأولى ألا يقطع النظام الشعرة التي بينه وبين شعبه الأعزل الذي لم يطالب إلا باحترام حقوقه وحمايتها، ولو كان النظام يعي حكمة شعرة معاوية لما قتل قرابة 72 طفلا سوريا!

ولو كان النظام يؤمن بحكمة معاوية لما تمتع أهل حماه بحماية السفير الأميركي، وليس الأمن السوري، وكم كان محقا، وذكيا، أحد قراء صحيفتنا عندما كتب مخاطبا النظام السوري على موقع الصحيفة معلقا على خبر إدانة النظام لزيارة السفير الأميركي لحماه: «أليس هذا السفير الذي بذلتم الغالي والنفيس لتعيدوه إلى دمشق؟ أليس هذا السفير الذي أرسله أوباما متجاوزا الكونغرس؟». ثم يضيف القارئ: «الظاهر أن السحر انقلب على الساحر!».

مشكلة نظام دمشق أنه يتعامل مع الداخل بالأسلوب نفسه الذي استخدمه طوال أربعة عقود تقريبا؛ أي: الحيل، والوعود. كما أن النظام يتعامل مع السوريين اليوم بالأسلوب نفسه الذي اتبعه، ويتبعه، في لبنان والمنطقة: وعود، وابتزاز، وتحايل، وخلط أوراق. فنظام دمشق لم يثبت مرة أنه وفَّى بوعد قطعه، إلا في حالة نادرة، وهي الهدوء على الحدود السورية – الإسرائيلية. وعندما أراد النظام نقض ذلك الوعد، حيث قام بإرسال الفلسطينيين إلى الحدود قبل أسابيع، فإنه قدم شبه إشعار للإسرائيليين، وذلك من خلال تصريحات رامي مخلوف، الذي قال إن إسرائيل لن تنعم بالأمن إن لم ينعم به النظام السوري. عدا عن هذا الأمر، لم يتقيد نظام دمشق، وتحديدا في السنوات العشر الأخيرة، بوعد قطعه داخليا أو خارجيا!

المؤسف أن دمشق، وبالطبع سوريا كلها، غنية بالتاريخ والتجارب، والعقول، التي بمقدورها أن تصنع سوريا حضارية، وأكثر إنسانية ورحمة بمواطنيها، بل وأكثر عقلانية سياسية، وعلى غرار شعرة معاوية بن أبي سفيان، وليس بثينة شعبان. لكن النظام قرر أن يجعل سوريا مجرد قصة أخرى من قصص التنكيل والقمع بتاريخنا الحديث! فكم هو لافت الفرق بين منظر، وهيئة، القلة التي تدافع عن نظام الأسد في الإعلام الغربي اليوم، ومن يتظاهرون ضده، وتلك قصة أخرى.. لكن المراد قوله إنه لو أدرك النظام حقا حكمة معاوية لما وصل حال سوريا والسوريين إلى ما هو عليه اليوم، ولما احتمى السوريون بالسفير الأميركي، خصوصا أن السوريين كانوا ضد أميركا قلبا وقالبا يوم احتلت العراق، لكنهم اليوم يلقون الورود على سفير واشنطن في بلادهم.. فيا سبحان مبدل الأحوال!

[email protected]