لو كنت مكاني ماذا تفعل؟!

TT

أغلبكم يسمع عن (قراقوش) وأحكامه الغريبة التي يرويها ويتندر بها الناس، ومعروف أن هذا (القراقوش) حكم مصر أيام المماليك، وترجمة اسمه تعني (صاحب الحاجب الأسود) باللغة التركية.

والواقع أن التصرفات الغريبة ليست وقفا على البلاد الشرقية فقط، لكنها تشمل كذلك البلاد الغربية، منها مثلا ذلك القرار الذي أصدرته الملكة (فيكتوريا) التي حكمت الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، وذلك عندما علمت بالإهانة التي لحقت بسفيرها لدى دولة (بوليفيا) في أميركا الجنوبية، وذلك عندما جردوه من ملابسه (ملط) ثم طردوه عاريا لا يستر سوءته حتى ولا منديل صغير.

وما إن وصلها ذلك الخبر حتى استشاطت غضبا، وأصدرت أمرها الحازم لأسطولها العظيم بغزو (بوليفيا)، وعندما قالوا لها «إن (بوليفيا) يا صاحبة الجلالة ليست لها شواطئ، وأسطولنا لا يستطيع الوصول إليها»، ازداد غضبها أكثر، وأصدرت أمرها الثاني بطمس خريطة تلك الدولة من (الأطلس) نهائيا، واستمرت تلك الخرائط تخلو منها، ويضعون مكانها بقعة بيضاء من دون أي إشارة أو تعريف، واستمروا على هذا الحال إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية بعدة سنوات.

ولا ننسى بالطبع أعظم حكم إعدام في التاريخ، والذي حكم به ملك إسبانيا (فيليب) عام 1568، عندما أصدر أمره بالإعدام على ثلاثة ملايين إنسان - هم عدد الشعب الهولندي في ذلك الوقت.

وكانت تلك الأحكام مجرد أوهام، فلا (بوليفيا) اختفت من على وجه الأرض، ولا الشعب الهولندي انقرض من الوجود.

أما على المستوى الفردي فأعجب تصرف أو حكم هو ما حصل أمامي، عندما كنت جالسا مع أحد الأصدقاء على كرسي من كراسي (الكورنيش) أمام البحر وقت الغروب، ومعنا طفله الصغير ذو الأعوام الأربعة، وتلطفا مني قمت من مكاني وذهبت إلى سيارة واقفة على الرصيف تبيع المأكولات والحلويات واشتريت كرتونة صغيرة ممتلئة (بالبسكويت) المعمول على أشكال حيوانات متعددة، وقدمتها للطفل الذي فرح بها وفتحها وبدأ يأكل منها، وبعد فترة فوجئت بالأب يهب واقفا بغضب ثم يدخل إصبعه الغليظ في فم طفله وينتزع البسكويتة من فمه ويرميها على الأرض، فارتعب الطفل وأخذ يبكي.

فتعجبت من تصرفه الأهوج ذاك وسألته عن السبب، فلم يجبني، وإنما رأيته يفرغ كل ما في الكرتونة من بسكويت على الطاولة، وأخذ يفرز بعضه ثم يرميه على الأرض، وإذا بي أكتشف أن تلك القطع التي يفرزها من البسكويت كانت على أشكال خنازير.

ولم يكتف بذلك، بل إنه ذهب للبائع في سيارته، وأخذ يشتمه طالبا منه أن يتلف كل ما لديه من تلك الكراتين. طبعا رفض البائع ذلك وكادت تنشب بينهما خناقة لولا أن تدخلت بينهما، ورجع غاضبا، وازداد غضبه عندما شاهد طفله لا يزال يبكي، وأخذ يضربه قائلا «تبكي علشان الخنازير يا كلب»، فما كان مني إلا أن تصديت له وأوقفته عند حده قائلا له «والله إن حكمك هو كحكم (قراقوش)»، فازداد غضبه أكثر وأكثر، وانتهت جلستنا على أسوأ ما يكون.

[email protected]