مذكرة بلا تبليغ

TT

الحمد لله أن السنيور أوكامبو قد غاب عن احتفالات السودان الجنوبي في جوبا، وإلا رأى نفسه مضطرا لأن يسلم المشير عمر البشير مذكرة التوقيف «الدولية» الصادرة في حقه. لو حدث لأفسد الاحتفال على الجميع، وخصوصا على الدولي الرقم واحد، السيد بان كي مون، الذي تبادل مع البشير «أطراف الحديث»، على ما قالت العرب، من دون أن يأتي أي منهما – على ما يبدو – على الدخول في صلب الموضوع. أي المذكرة التي بلغتها الأمم المتحدة كل دول العالم، وفاتها أن تسلمها إلى البشير.

تنص المذكرة على اعتقال الرئيس السوداني في أي مكان، برا وبحرا وجوا. لكن ثمة بندا خفيا يحظر اعتقاله خلال احتفالات رسمية. خصوصا إذا كان يحضرها الأمين العام، ومندوبة أميركا لدى الأمم المتحدة. لعل في ذلك مكافأة للرئيس الذي لولاه لما بلغ الجنوب مرحلة الانفصال والاستقلال والاحتفال بهذه البساطة. وها هو المشير يقول في خطابه قولا واحدا إنه يجب نبذ الخلافات والنزاعات في السياسة. وذلك بعد يومين على قوله إنه لا يمكن التخلي عن أبيي بأي ثمن. ولا ندري إذا كانت أبيي السودان هي أبين اليمن. ولا ما هذا التشابه في الأسماء وفي الأشياء. فنحن نتأمل الصور التي تعرض علينا ونقرأها ونحمد الله على ما نرى. ذوبان المذكرة الدولية في جوبا وتجاوز البشير المحنة الدولية، وتجاوز المشير علي عبد الله صالح لمحنة المحراب. وبأسلوبه وطريقته في النفي والتأكيد ظهر للمرة الثانية على الشاشات ليبلغ أعداءه أن كل ما كتب عن شلل الأطراف تمنيات مريضة. وللمزيد من التأكيد وضع ساقا على ساق، وترك القدم اليسرى حافية، وترك للنشرة الطبية أن تكتب نفسها، من دون الحاجة إلى ناطق رسمي يقول للمعارضين في صنعاء: طقوا في صدوركم، حتى الصواريخ لا تقوى على الرئيس.

نتائج مبهجة أم مشاهد مقلقة؟ تخلص البشير من اعتقال ربما لم يكن جديا في أي وقت، ونجاة المشير اليمني من أسوأ أنواع الجرائم، إذ خطر له الانتقال بعيدا عن المحراب قبل لحظات، إذ تذكر أن المتآمرين سوف يستهدفون المكان الذي يصلي فيه عادة. ورئيس ثالث، أو بالأحرى قائد، يلوح بمذكرة الاعتقال ويهدد أطفال أوروبا وعواجيزها في البيوت والمكاتب والمستشفيات والزنقات، صائحا أن الليبيين يحبون الموت، من أخبره أنهم لا يحبون الحرية والحياة والأرض والتاريخ؟

جئت إلى لندن آملا في الخروج قليلا من غرفة التلفزيون إلى الهايد بارك. وإذا بي أنتقل من غرفة إلى أخرى. مشاهد مؤلمة تملأ الأرض والفضاء.