أميركا: اتفاق حول رفع سقف الدين العام.. وخلاف حول المعالجة

TT

سقف ديون لا يمكن أن نطمع في إلغائه

في يوم 16 مايو (أيار)، بلغ سقف الدين القانوني للولايات المتحدة 14.3 تريليون دولار. وما لم يتم رفع هذا السقف، فلن تتمكن وزارة الخزانة الأميركية، بحلول الثاني من أغسطس (آب) من سداد ديونها. وفي تلك الحالة، سيتعين عليها أن توقف الإنفاق على البرامج الحكومية وإلا ستعجز عن السداد للدائنين.

ويتفق البيت الأبيض وأعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس، من حيث المبدأ، على ضرورة رفع سقف الدين، ولكنهم واقعون في مأزق كيفية كبح جماح النمو السريع في عجز الميزانية. وفي الوقت نفسه، ارتأى البعض أن هناك وسيلة للالتفاف على سقف الدين المحدد.

أشار بعض أساتذة القانون وأعضاء مجلس الشيوخ، بل وحتى وزير الخزانة، تيموثي غايتنر، أن المادة الرابعة من التعديل الدستوري رقم 14، المعروف باسم «قانون الدين العام»، ربما توفر الحل المعجزة. وينص هذا القانون على أن «سريان سقف الدين العام للولايات المتحدة، المصدق عليه قانونيا.. يجب أن لا يوضع موضع تساؤل». وهم يرون أن «قانون الدين العام» يكفي لإلغاء هذا السقف، أو يمكن استخدامه في السماح للرئيس باقتراض أموال بصرف النظر عن السقف. ويعطي كلا الأسلوبين أملا زائفا في إيجاد حل قانوني يمكن أن يلغي الحاجة لإيجاد حل واقعي. وقد ركزت المحكمة العليا على «قانون الدين العام» مرة واحدة فقط في عام 1935، في القضية المقدمة من بيري للمحكمة العليا. ولاحظت المحكمة فقط أن القانون أكد على «المبدأ الأساسي» الذي مفاده أن الكونغرس ربما لا «يعدل أو يلغي» الديون التي تم تكبدها بالفعل.

ورأى البعض أن هذا المبدأ يمنع أي إجراء من جانب الحكومة «يهدد» سريان سقف الدين الحكومي. وهم يرون أنه بزيادة خطر العجز عن السداد، فإن أي سقف دين سينتهك بالضرورة قانون الدين العام.

ويذهب هذا الجدال المثار إلى مدى بعيد جدا. فقد يعني أن أي عجز في الميزانية أو تخفيض ضريبي أو زيادة في الإنفاق ربما يقابل بهجوم لأسباب دستورية، ربما لأن أيا من هذه الإجراءات يزيد بدرجة ما من احتمالية العجز عن سداد الديون. علاوة على ذلك، فإن الجدال لا يزال عقيما لم يثمر عن أي نتائج مفيدة. وفي حالة ما إذا كانت تلك الإجراءات صحيحة، فربما يتم انتقاد فكرة إلغاء سقف الميزانية بالمثل باعتبارها إجراء غير دستوري. وفي الأساس، كلما زاد حجم دين الدولة، زادت صعوبة سداده، بل وزادت احتمالات العجز عن السداد. وقد قدم مقترحو أحد الحلول الدستورية الأخرى تفسيرا أبسط لقانون الدين العام، ويقول إن أي عجز فعلي عن السداد (مقارنة بأي إجراء يزيد فقط من احتمال زيادة خطر العجز عن السداد) يعتبر محظورا. ويبدو التفسير مقبولا. غير أن أنصار الحل الدستوري جانبهم الصواب في خطوتهم التالية، حيث قالوا إنه نظرا لأن العجز عن السداد سيكون مخالفا للدستور، فربما ينتهك الرئيس أوباما سقف الدين القانوني للحيلولة دون العجز عن السداد. ويمنح الدستور الكونغرس - وليس الرئيس - سلطة «اقتراض أموال لحساب الولايات المتحدة». ولا يوجد أي نص في التعديل رقم 14 أو في أي نص دستوري آخر يشير إلى أن الرئيس ربما يستولي على السلطة التشريعية لمنع انتهاك الدستور. كذلك، فإنه من المؤكد أن سلطة الرئيس تتضاءل لتصل إلى ما يصفه القاضي روبرت جاكسون بـ«أدنى درجات الانحطاط» عند استغلالها ضد الإرادة المعلنة للكونغرس.

الأمر الأسوأ أن الجدل المثار حول أن الرئيس ربما يفعل كل ما هو ضروري لتجنب العجز عن سداد الديون لا يبدو أن له نقطة منطقية. نظريا، يمكن أن يسدد الكونغرس الديون، ليس فقط باقتراض المزيد من الأموال، وإنما أيضا بممارسة سلطاته لفرض ضرائب أو سك عملة أو بيع ممتلكات فيدرالية. وإذا تمكن الرئيس من الاستحواذ على السلطة التشريعية لاقتراض أموال، فما الذي يمكن أن يمنعه من الاستحواذ على كل السلطات الأخرى بالمثل؟

ومن ثم، فإن الآراء المؤيدة لتجاهل سقف الدين غير مقنعة. غير أنه حتى لو كانت مقنعة، فلن تسهم في حل الأزمة. فبمجرد انتهاك قانون سقف الدين، ستكون أي سندات صادرة حديثا موضع شبهة قانونية، بسبب خطر احتمال رفض الحكومة قبول تلك الديون باعتبارها غير مشروعة. وسيؤدي ذلك الخطر بالتبعية إلى زيادة كبيرة في أسعار الفائدة بسبب فقدان المستثمرين الثقة، وهي أزمة مالية ستكبد الدولة عشرات المليارات من الدولارات.

وعلى الرغم من أن إعلان جهة قضائية رسمية تصديقها على اقتراض أموال فوق سقف الدين ربما يخفف من حدة مخاوف المستثمرين، فإن الحصول على مثل ذلك الامتياز ليس بالمهمة السهلة. فليس مخولا سوى لشخص عانى ضررا «بعينه» – وليس ضررا مشتركا عاما – أن يقيم دعوى قضائية. وسيكون من الصعب إيجاد مدع عانى من ضرر معين نتيجة إصدار دين يتجاوز سقف الدين العام المحدد. وحتى إن أمكن العثور على مثل هذا المدعي، فستكون أسعار الفائدة الزائدة قد ألحقت ضررا مروعا بالفعل في الوقت الذي ستبدأ فيه المحكمة العليا النظر في القضية.

وتتمثل إحدى المهام الرئيسية للدستور في «إجبارنا على الدخول في محادثة» عن المستقبل، مثلما كتب أوباما. وفي بعض الأحيان، يحقق الدستور هذا عن طريق وضع مبادئ يمكن أن يضعها المواطنون موضع التنفيذ وقتما يرون أن الحكومة قد تجاوزت الحدود. وفي أوقات أخرى، يقوم بذلك عن طريق توجيهنا مرة أخرى إلى مجلس وضع السياسات. إنها الرسالة الثانية التي يوجهها الدستور في هذه اللحظة. ومثلما حذر القاضي جون مارشال هارلان الثاني بشكل ينم عن تبصر بالمستقبل: «ليس الدستور علاجا لكل مشكلة تهدد الصالح العام. فقط الشجاعة السياسية ومحاولة الوصول إلى حلول وسطى، المقرونتان بالالتزام بتقاليد تفرض على الكونغرس أداء واجبه الدستوري المميز، هي الأسس التي يمكن أن تقضي على أزمة وشيكة».

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب «الدستور الخفي»

* خدمة «واشنطن بوست»