إغلاق قناة السويس!

TT

آخر مرة سمع فيها أصوات الرصاص في قناة السويس كان ذلك عندما عبر الجيش المصري وباغت القوات الإسرائيلية المحتلة لسيناء قبل 38 عاما. سمع صوت إطلاق النار أيضا من بنادق أفراد الجيش في الهواء على ضفة القناة يوم أول من أمس، إلا أنها هذه المرة أطلقت فوق رؤوس المتظاهرين المحتجين الذين وفدوا بالمئات معلنين عزمهم إيقاف الحركة في الممر المائي.

لا أتوقع أنه دار بخلد القيادة العسكرية في مصر، صاحبة القول الفصل، أن تصل الأمور إلى حد تهديدها بإغلاق أهم شريان مائي استراتيجي في المنطقة، قناة السويس، السلاح الذي كان سببا في ثلاث حروب كبرى من قبل. والقناة تدر كل شهر نحو نصف مليار دولار، ثم لا يمكن تعطيلها في وقت تتراجع فيه مداخيل الدولة بسبب تراجع السياحة وتوقف بعض المصانع وانكماش الاحتياطي المصري من العملة الأجنبية بنحو عشرة مليارات دولار.

فالشباب المتبرمون، الذين كانوا سببا في إسقاط حكم مبارك، قرروا تغيير تكتيك الضغط السياسي، اعتقادا منهم أن النزول إلى ميدان التحرير لم يعد كافيا لتحقيق مطالبهم. ويبدو أنهم قرروا أخذها إلى البعد الخارجي.

التهديد بإغلاق القناة، فيه ضرب للمصالح الدولية، سيؤدي إلى إحدى نتيجتين: أن تتدخل القوى الكبرى فتضغط على المجلس العسكري لتنفيذ مطالب الشباب حتى تجنب أزمة دولية بسبب إيقاف حركة شحن النفط العالمية، أو أنها ستضغط على الجيش لقمع التمرد الشبابي وبدء مرحلة جديدة.

مناورة ذكية من الشباب لتحريك قضاياهم، لكنها خطرة أيضا، كان هذا سر نجاحها في المرة الماضية بالخروج عن المألوف والسير إلى أبعد نقطة من أجل التغيير. السؤال: ما هي مطالبهم؟ وما الذي يمكن أن يحققوه أكبر من إسقاط الحكم وإقصاء شخصية ضخمة مثل مبارك حتى يستوجب منهم هذا التصعيد وركوب المغامرة السياسية؟

أبرز مطالبهم محاكمة رموز النظام المخلوع، ومحاسبة المتهمين بقتل المتظاهرين، وفي ذيل المطالب إقصاء القيادة العسكرية عن دفة الحكم، دون أن ندري إن كانوا لديهم البديل بعد.

فهل هي روح الشباب المتعجلة والمتذمرة، أم أنهم يبحثون عن معركة جديدة يستعيدون من خلالها الشارع المصري؟ لا ندري بسبب تعدد الأصوات، واختلاف الآراء وعجزهم عن تشكيل قيادة تمثلهم، وحتى عجزهم عن تأسيس حزب شباب واحد يضمن ملايين الأصوات في الانتخابات المقبلة، خاصة أن آخر استفتاء أظهر ضعف شعبيتهم وصعود نجم جماعة الإخوان المسلمين، رغم ضخامة الاستجابة للمظاهرات التي يدعو إليها الشباب في أي مناسبة احتجاجية.

قائمة المطالب التي استجيب لها كثيرة، أهمها اعتقال أولاد مبارك ووضع الرئيس المخلوع شخصيا في مستشفى تحت الحراسة، وسجن معظم قادة نظامه، وشل قدرات حزبه السابق. ومعها إقصاء رئيس الوزراء الذي اختاره العسكر، أحمد شفيق، وتكليف شخصية من ميدان التحرير، عصام شرف، الذي يبدو أنه ملّ منه بعض الشباب وصاروا يطالبون الآن بإقالته، وهناك محاكمات رموز النظام التي سرع بها لإرضائهم.

الأرجح، أن معركة آتية بين بعض القوى الشبابية والمؤسسة العسكرية ستضع الجميع في موقف صعب، وقد يحسم المشهد السياسي المعلق حاليا حتى تحين الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر بعد نحو شهرين. ويعتقد أنه بعدها سيخف الضغط على العسكر وسيفقد الشباب حقهم في الحديث باسم الشعب، على اعتبار أن المنتخبين هم ممثلو الشعب.

[email protected]