إعادة «هيكلة» إعلام مصر

TT

إعادة «هيكلة الإعلام المصري» مطلب استراتيجي وضروري، لأن مصر في فترة مبارك أدمنت تسويق الصورة، ونسيت الأصل، ومصر بعد الثورة يجب أن تعود إلى الأصل وتنسى موضوع التركيز على الصورة، ومحاكمة الناس على أنهم يشوهون الصورة، ولكن على ما يبدو، «مافيش فايدة». فقد فهم القائمون على الحكم إعادة الهيكلة بمفهوم جديد.

يبدو أن رئيس الوزراء قلب في تاريخ وزراء الإعلام المصريين فوجد أن أكثرهم نجاحا كان الأستاذ محمد حسنين هيكل، الذي كان آخر وزير إعلام لجمال عبد الناصر، وكان وزيرا ناجحا في الدعاية لنظام سيئ، وبما أن هيكل كان ناجحا، فلا بد من إعادة «هيكلة» الإعلام، وحسب ما رأت حكومة عصام شرف في مصر، على ما يبدو أن إعادة الهيكلة هي الإتيان بواحد اسمه «هيكل يمسك الوزارة»، ولهذا على ما يبدو تم اختيار أسامة هيكل، رئيس تحرير جريدة «الوفد»، وزيرا لإعلام مصر.

أيام هيكل الأول، على غرار فاروق الأول، أو رمسيس الأول، كانت وزارة الإعلام تسمى بوزارة الإرشاد القومي، وطبعا عندما تسمع كلمات مثل إرشاد ومرشد الثورة إلى آخره، تعرف أنك أمام ديكتاتورية عتيدة، فهذه الديكتاتورية إما دينية في حالة مرشد إيران، أو دنيوية في حالة الإرشاد القومي في مصر الناصرية. وكان محمد حسنين هيكل سواء كوزير للإعلام أو رئيسا لتحرير «الأهرام» هو منظر الثورة، والمبرر الأول لسياسات عبد الناصر بامتياز، وكان الهدف من «الأهرام» ومن وزارة الإعلام ليس توصيل المعلومة بل تجييش الناس للتصفيق لسياسات فاشلة، ومع ذلك نجح هيكل - كما يقال في مصر - في أن يعمل من «الفسيخ شربات»، أي أن يجعل الناس تصفق طوال اليوم للزعيم حتى لو عاد من المعركة مهزوما.

نجح هيكل في المهمة في تقدير القائمين على الأمر يومها (العسكر). ومع ذلك كان الإعلام المصري السيئ واحدا من أسباب قيام الثورة المصرية في 25 يناير (كانون الثاني) 2011، إذ وصل التضليل في الصحف والتلفزيونات الحكومية وغير الحكومية إلى درجة أفقدت الناس الثقة في كل ما يقال في بر مصر.

فضل المصريون القنوات العربية والفضائيات الأجنبية وكذلك الصحف غير المصرية على الصحافة المصرية، هربوا من الكذب إلى عالم الإنترنت والعالم الافتراضي، ومع ذلك وحتى هذه اللحظة لم يتعلم الإعلام المصري الدرس، ما زالت نفس الأكاذيب والمداهنات، وأحيانا البلطجة تمارس تحت اسم الإعلام. المهم - من زاوية العسكر - كان نموذج هيكل ناجحا في خلق جو التأييد والتصفيق للزعيم، هيكل هو الرجل الذي سمى هزيمة 1967 مجرد نكسة، أي حصانا تعثر، ولكنه سيبقى قويا وجامحا، وعجب هذا الكلام العسكر، ورأوا أن الإعلام هو البديل عن القوة الحقيقية، وهذا ما استمر فيه نظام السادات ومن بعده مبارك، رأوا قوة مصر في الإعلام، وكما رأينا وبعد عزل مبارك اتضح أن الريادة والقيادة وكل هذا الذي كان يتحدث عنه الإعلام المصري، مجرد «فشنك»، لقد ترك مبارك مصر أرضا بورا، حولها إلى خرابة أو جراج سيارات، وتسلمها الجماعة، وبدلا من أن يبدأوا العمل بجد، دخلوا على نفس الفيلم الهندي الهابط. المطلوب هو أن تكون مصر هي الرائدة الإعلامية، والريادة الإعلامية تعني تحسين الصورة، ولا تدري الجماعة أن الصورة لا تتحسن إلا إذا كان الأصل حسنا، فيكف للإعلام أن يروج لمصر الحديثة، والبلطجة تسود في الشوارع وفي الصحافة. كما يقول المثل البلدي «تعمل إيه الماشطة في وش الشوم»، أي ماذا تفعل المزينة أو الكوافيرة في وجه الشؤم أو الوجه السيئ. الأصل يا جماعة هو الموضوع مش الصورة.

بعد الثورة طالب الناس في التحرير بتفكيك وزارة الإعلام؛ فهي من أول رموز الديكتاتورية السابقة، وكما ذكرت، ربما كان الإعلام المصري سببا من أسباب الثورة. البعض لم يطالب بهدم وزارة الإعلام برمتها، بل طالب المجلس العسكري، بإعادة هيكلة الإعلام.

ويبدو أن الجماعة في الحكم لم يعرفوا معنى إعادة الهيكلة، فقرروا أن يأتوا بوزير آخر للإعلام اسمه «هيكل»، فاختاروا أول هيكل قابلهم، أو آخر هيكل متبق، فاختاروا الأستاذ أسامة هيكل وزيرا. وبهذا نكون قد حققنا مطلب إعادة «الهيكلة» من أقصر الطرق وأوسع الأبواب.

الإعلام ليس مجرد بشر وأجهزة ومطابع، الإعلام مهنة وقواعد وأخلاقيات، مهنة لها أصول ومحترفون، ولا أدري كم مصريا كان يقرأ صحيفة «الوفد»، لكي يصبح رئيس تحريرها وزيرا للإعلام، هذا إذا قبلنا بأن وزارة الإعلام شيء محترم في الأنظمة المحترمة، توزيع جريدة «الوفد» في مصر كلها لا يزيد عن توزيع منشور حزبي، ولا يقرأها إلا الحزبيون وهم في مصر يعدون على الأصابع. المهم هذا ما حدث وهذا على ما يبدو ما قصده الجماعة بإعادة هيكلة الإعلام.

الإعلام المصري، الخاص منه والعام، يحتاج إلى نفضه، يحتاج إلى المهنية والعودة إلى قيم صحافة المعلومة، لا صحافة المداهنة والتلميع والترويج، أو حتى المعارضة الفجة، التي كانت تمارسها قلة في عهد مبارك. نقد الإعلام مكلف، فمتى ما تحدثت عن «الإعلام المصري» شمر أحدهم عن ذراعه وأعلن أنه حامي شرف الإعلام، ليزعق بصوت جهوري، وهو حامل قلمه أو مديته، فقد اختلط الإعلام بالبلطجة، معلنا بلغة القذافي: «من أنتم كي تتجرأوا على الإعلام المصري؟»، نقد الإعلام المصري مكلف، وربنا يستر.