فارق التوقيت مرة ثالثة

TT

في 9 فبراير (شباط) 2011، كتبت عن «مصر.. وفارق التوقيت»، قبل رحيل نظام مبارك، ملخصه أن النظام بمصر متأخر بفارق ثلاثة أيام، فكل قراراته، واستجاباته، تأتي بعد أن يصعد الشارع سقف المطالب، كما كتبت عن فارق التوقيت في العالم العربي مرارا وتكرارا، فلماذا نعود للموضوع مرة أخرى؟

إلى اليوم، تعاني دولنا فارق التوقيت، فلا شيء يتم في موعده، فدائما تتخذ الخطوات بعد فوات الأوان، ولا يكون لها قيمة، لأن سقف المطالب يكون قد ارتفع، سواء في الحالات الثورية، أو الانتفاضات، أو عندما تكون الأمور قد تفاقمت في الأوضاع الطبيعية، مثل معالجة الأزمات الاقتصادية أو الأمنية أو خلافه. ولو استعرضنا اليوم أوضاع الدول التي يجتاحها الزلزال السياسي، لوجدناها جميعا تعاني مشكلة فارق التوقيت، وبشكل غريب، يدل على ضياع الرؤية والعجز.

أبسط مثال ما نشرته حديثا صحيفة «سياتل» الأميركية عن حديث دار بين الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ووزيرة خارجية أميركا السابقة كوندوليزا رايس. فبحسب الصحيفة، التقت رايس مبارك في عام 2005 قبل أن تلقي خطابا عن ضرورة أن تقود مصر التغيير الديمقراطي في العالم العربي، وحينها قالت رايس لمبارك إنه إن لم يقم بالتغيير فإن المصريين سيلجأون إلى الشارع، فرد مبارك على رايس قائلا: «قولي ما شئت في خطابك، فأنت لا تفهمين العرب. العرب يحتاجون إلى يد قوية.. قبضة قوية، والشيء الوحيد الذي يفصل بين المتطرفين والمواطنين هو أنا»!

والذي حدث بالطبع في 2011 أن المصريين نزلوا إلى الشارع، وأطاحوا بمبارك الذي لم يشعر يوما بأن الأرض تهتز تحت أقدامه، على الرغم من كل المؤشرات، وحتى قبل سقوطه بأيام! وهذا ما حدث في تونس بن علي، واليوم الأمر نفسه يتكرر في اليمن، وسوريا، وليبيا.

فالرئيس اليمني يتحدث اليوم عن احترام الدستور والشرعية، بعد أن ظل قرابة ثلاثة عقود فوق الدستور والشرعية، وتحولت مؤسسات بلاده الأمنية والعسكرية بيد أبنائه. وفي ليبيا، ها هو القذافي يفاوض الفرنسيين بعد خراب ليبيا، وبعد أن شتم فرنسا ورئيسها. وبعد أن بات يسكن في قبو ما، عاد الآن ليفاوض، وبعد أن فوت كل الفرص السابقة، وليس بعد القتل والدمار، وبعد أن أصبح نظامه قاب قوسين أو أدنى من السقوط.

الأمر نفسه في سوريا، حيث هاجمنا إعلام النظام يوم كتبنا في 24 مارس (آذار) 2011 تحت عنوان «نصيحة الجمعة: لا تقتل». اليوم وبعد كل هذا الوقت، وبعد مقتل ما يفوق 1400 من السوريين، وآلاف المعتقلين، والمهجرين، نجد نظام دمشق يدشن حوارا وطنيا يقوده نائب الرئيس فاروق الشرع، لوضع أجندة لحوار آخر يضع أطرا لأفكار دستور جديد تدرسه لجان أخرى سينبثق عنها لجان، وهكذا، بينما الشارع السوري بات يقول اليوم «ارحل»!

أزمة فارق التوقيت عربيا مرعبة، وسمة مصاحبة لجل الأنظمة التي تواجه الزلزال السياسي في منطقتنا، وكذلك الدول العربية التي تواجهها صعوبات واستحقاقات، فلا أحد يريد الاقتناع بجدوى ما درسونا إياه في الصغر وهو أن «لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد»!

[email protected]