أردناها عربية فجاءت بريطانية!

TT

كتبت مرارا عن أن الإعلام العربي نفسه بحاجة إلى ثورة، لكن الثورة جاءت على ما يبدو في الصحافة البريطانية. أردنا ثورة بإعلامنا تفضح اللوبي الإيراني المتغلغل بيننا، والإعلام الموالي للقذافي، وأصدقاء ابنه سيف الإسلام، وحتى صحافة الحوثيين بيننا، لكن الثورة جاءت في الإعلام البريطاني!

اليوم بريطانيا كلها بحالة ذهول مما حدث، ويحدث، في إمبراطورية روبرت مردوخ الإعلامية؛ ففضيحة التجسس على الهواتف - التي طالت قرابة 4 آلاف شخص بريطاني، من مواطنين، وحتى العائلة المالكة، ورئيس الوزراء السابق غوردن براون وعائلته، من قبل صحيفة «نيوز أوف ذا وورلد» وغيرها من صحف مردوخ الأخرى المتهمة اليوم - ما زالت تتواصل، وتكبر يوما عن الآخر، وربما لن تقضي على آمال مردوخ بالاستحواذ على قنوات «سكاي»، بل ربما تقضي على ما هو أهم وهو مستقبل إمبراطوريته، وقد تكون قضت على مستقبل ابنه.

فمردوخ ليس مستحوذا على قنوات «سكاي» التلفزيونية كما يعتقد البعض، بل إن الاستحواذ عليها هو حلمه، فهو يملك جزءا من أسهمها لا يخوله حق التحكم بها، حيث إن المتابع اليومي لـ«سكاي نيوز»، مثلا، يجد أن تغطية القناة لفضيحة التنصت، قاسية وصارمة على مردوخ وإمبراطوريته الإعلامية. ولأن حلم مردوخ هو الاستحواذ على شبكة «سكاي» فإن هذه هي المعركة اليوم ببريطانيا؛ حيث إن كثيرا من أعضاء البرلمان والشخصيات المؤثرة فيه، يطالبون مردوخ بسحب عرضه للاستحواذ على محطات «سكاي»، وبالفعل سحب عرضه للاستحواذ على «سكاي بي».

الثورة الحقيقية بالإعلام البريطاني اليوم أن الرئيس غير المنتخب والقوة الضاربة بلا جيوش، مردوخ، يتعرض لتحطيم إمبراطوريته الإعلامية التي تعودت الصعود بمن ترى، وتهشيم من تشاء، ليس أمام الرأي العام، بل وأمام البرلمان البريطاني، الذي قد يدعوه في الأيام المقبلة، بإجماع ثلاثة أحزاب، للاستجواب هو وابنه والمسؤولة الأبرز في إمبراطوريته روبيكا بروكس، حول فضيحة التنصت، ولذلك نقول إنها ثورة؛ إذ لم تعد صحافة الفضائح اليوم هي المتهمة فقط؛ حيث طال الاتهام أيضا صحف مردوخ المحترمة، مثل «صنداي تايمز» عدد يوم الأحد الأسبوعي لصحيفة «التايمز»، ناهيك عن صحيفة التابلويد «ذا صن» أيضا، ولذا فإن ما تمر به الصحافة البريطانية اليوم ثورة حقيقية؛ حيث إن الصحافة البريطانية كلها اليوم مهددة بالتغيير، فاليوم تغيرت علاقة الإعلام بالسياسة، وباعتراف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، وحتى علاقة الصحافة بالأمن، خصوصا أن التحقيقات طالت شرطة اسكتلنديارد، وهذا أمر مهم وخطير، وسيكون له تداعيات كبيرة.

وبالطبع فإن جميع المطلعين على المشهد البريطاني يشعرون بأنهم أمام فضيحة مثل فضيحة «ووترجيت» التي أسقطت الرئيس الأميركي نيكسون، ولكن في نسختها البريطانية، حيث يبدو أن فضيحة التنصت التي ضربت الصحافة هنا ستطيح برؤوس كبيرة في لندن وأماكن أخرى، لكن السؤال الذي يهمنا، نحن العرب، وما زال ملحا هو: متى تأتي ثورة الإعلام العربي لتطيح برؤوس أينعت، وحان قطافها؟

[email protected]