هل الإدارة علم أم فن؟

TT

يحتار كثير من الناس في أمر الإدارة، هل هي علم يمكن تدريسه أم فن بحت ذو صلة مباشرة بشخصية الفرد؟

الفريق الذي يؤيد أن «الإدارة هي علم» يستندون إلى أدلة كثيرة، منها أن الأكاديميين نجحوا بالفعل في تدريس «إدارة الأعمال» في الجامعات كعلم متكامل، ويستطيع الدارسون أن ينالوا أعلى الشهادات العليا مثل شهادة بكالوريوس في إدارة الأعمال أو الماجستير (MBA) أو الدكتوراه في الإدارة من خلال أطروحة أكاديمية محكمة، شأن الإدارة في ذلك شأن سائر العلوم الأخرى المعروفة.

أما الذين يرون أن الإدارة «فن» أكثر منه «علم» يمكن تدريسه فقد استندوا أيضا إلى عدد من الأدلة. وحجتهم في هذا الرأي أنه مهما بلغت الجامعات العالمية المرموقة من مراتب عليا في تعليم الإدارة، فإنها لا يمكن أن تزعم أن باستطاعتها «تخريج مديرين» عبر برنامج دراسي معين، كما هو الحال مع المهندسين والمحامين والأطباء وغيرها من تخصصات. وهو ما يراه مؤيدو هذا الاقتراح دليلا على أن الإدارة يغلب عليها الطابع «الفني» المرتبط بالشخص نفسه وقدراته أكثر من كونها علما حديثا وذلك لأسباب، منها، أنه يصعب إجراء التجارب العلمية في الإدارة بنفس المستوى من الدقة والتحكم كما هو الحال في العلوم الطبيعية، لأن الإدارة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالإنسان، الذي يصفه علماء النفس بأنه عبارة عن خليط معقد التركيب، متقلب المزاج، وهو ما «يزيد الطين بلة»، حيث يصعب تطبيق الدراسة العملية عليه. ولأن المديرين يعتمدون على أساليب وطرق مثل الحدس والتقدير والتنبؤ بالمستقبل فإن إخضاعهم للتجربة العلمية أمر في غاية الصعوبة.

الإدارة ببساطة هي «علم وفن» في آن واحد، وهو الرأي الذي يتبناه كثير من المهتمين في الإدارة، ونحن نشاطرهم الرأي في ذلك، لأسباب عدة.

أحد هذه الأسباب أن المدير الذي لم يدرس آلية «التفويض» وشروطه وتداعياته، سواء من خلال الدورات أو الدراسة الأكاديمية فسوف يكون مركزيا أي يفعل كل شيء بنفسه، من طباعة التقارير مرورا بإرسال رسائل الفاكس والرد على المكالمات الواردة وانتهاء بدقائق الأمور التي لا يفترض بالمدير تأديتها بمفرده.

كما نسمع أيضا عن شركات فاشلة إداريا ومتعثرة في أدائها وتعاني من عزوف الناس عن شراء أسهمها لأنها تواجه مشكلات إدارية لا يستطيع المدير العام أن يحلها، على الرغم من أنه قد درس الإدارة وربما حصل على شهادة عليا فيها. فالمسألة مرتبطة في هذه الحالة بالقدرات الفنية للمدير وليس ما تعلمه عندما كان على مقاعد الدراسة. وربما يدير الشركة مهندس أو طبيب أو محام، ولكنه يبدع في الإدارة من خلال تفعيل قدراته الشخصية فيرسو بمنظمته إلى بر الأمان، ويحقق نجاحات يشار إليها بالبنان. ولنا في المنظمات العربية والعالمية خير مثال على أن القدرات الفنية الشخصية قد تكون سببا في نجاح المدير بغض النظر عن حصوله على شهادة في الإدارة من عدمه.

وخلاصة القول: أن الإدارة هي «علم وفن» مهما استشهد مؤيدو الرأيين بأدلتهم وبراهينهم. والناظر إلى المناهج الإدارية الحديثة يلحظ توسعا في تبني هذا الاتجاه، والذي قد يسدل الستار على نقاش طويل استنزف وقت المهتمين وجهدهم، وحير دارسي علم الإدارة أنفسهم.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]