البرازيل والشرق الأوسط

TT

بعد 8 أعوام من تقلد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا لمنصبه، تمتعت البرازيل بمكانة خاصة على الساحة الدولية. كان استئناف الحوار والتعاون مع دول الشرق الأوسط من ضمن الجهود المبذولة من أجل دعم التعاون الجنوبي - الجنوبي. لقد احتل الشرق الأوسط قلب الدبلوماسية البرازيلية ربما للمرة الأولى. وتختلف مصلحة البرازيل من التقارب مع الشرق الأوسط عن مصالح القوى الغربية التقليدية، فنحن لا نعتمد على الشرق الأوسط كمصدر للنفط، ونحن لسنا من كبار مصدري السلاح إلى المنطقة. هناك علاقات وأواصر إنسانية قوية تربط البرازيل بالدول العربية، حيث يمكن ملاحظة تأثير الثقافة العربية على الثقافة البرازيلية والمجتمع البرازيلي. وكان تأسيس القمة العربية الأميركية الجنوبية من أهم المبادرات على المستوى الدبلوماسي، حيث تعد آلية لدعم العلاقات بين الطرفين. لقد كانت البرازيل قادرة على استضافة القمة الأولى في مايو (أيار) 2005. واستضافت قطر القمة الثانية عام 2009. وزاد حجم التجارة بين دول أميركا الجنوبية والدول العربية من 10 مليارات دولار عام 2004 إلى نحو 30 مليار دولار. وازداد حجم التجارة بشكل كبير بين البرازيل والدول العربية منذ عام 2003 من 5.5 مليار دولار خلال السنة الأولى من فترة رئاسة لولا إلى 20.3 مليار دولار عام 2008، مما يعني أن حجم التجارة قد ازداد بمقدار 4 أمثال خلال تلك الفترة القصيرة.

أما فيما يتعلق بعملية السلام العربي - الإسرائيلي، تدافع البرازيل عن الرغبة في إيفاد ممثلين جدد في المفاوضات. نحن على قناعة بأن توسيع نطاق المباحثات سوف يؤدي إلى طرح المزيد من الأفكار الجديدة. لقد اتسمت عملية السلام بالانغلاق على ذاتها مما أدى إلى عدم وجود مساحة لآراء جديدة. وبعيدا عن الدول التي تعد من أطراف الصراع، استأثرت الولايات المتحدة بالتعامل مع قضية الشرق الأوسط مع السماح للجنة الرباعية بالاضطلاع بدور هامشي. من المؤكد أن القليل من الهواء المنعش لن يسبب ضررا. ويمكن لتجميع الدول المعنية في إطار ودي يتسم بمصداقية دولية وعلاقات جيدة مع كل الأطراف أن يكون أساس مجموعة صغيرة لدعم اللجنة الرباعية التي تستطيع أن تساعد في دفع الملفات في المفاوضات القائمة بين إسرائيل وفلسطين.

يجب أن تنخرط سوريا، بغض النظر عن الأحداث الجسيمة التي تشهدها البلاد والتي نأمل أن تفضي إلى الديمقراطية، في مبادرات السلام في المنطقة. فلسوريا نصيب كبير من عملية السلام. ونتيجة للمأساة التي خلفتها الحرب الإسرائيلية ضد لبنان عام 2006، أصبحنا أكثر قربا من لبنان، وأنا على قناعة بأن البرازيل سوف تستمر في الانخراط في عملية السلام والحوار وتعزيزه، وكذلك دعم كل المبادرات التي تسعى إلى تحقيق التقدم وإرساء الاستقرار في لبنان، وبالتالي في دول الجوار. وتسلمت البرازيل مؤخرا قيادة القوات البحرية في «اليونيفيل» في لبنان.

لا يتعلق إعلان طهران في 17 مايو 2010 بسياسة البرازيل الخارجية تجاه الشرق الأوسط وحسب، بل بتعزيز السلام والأمن في العالم. فقد شاركت البرازيل مع تركيا في المفاوضات الخاصة بمسألة البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل. وفي مقابل بعض المقاومة من إيران، أصرت كل من البرازيل وتركيا على ضرورة أن تقبل إيران 3 نقاط أساسية من أي اتفاق يتعلق بكمية اليورانيوم منخفض التخصيب التي ينبغي نقلها، ووقت هذا النقل ومكان التبادل.

وتنازلت إيران في النهاية فيما يتعلق بالثلاث نقاط. من المنطقي التساؤل حول سبب نجاح البرازيل وتركيا فيما أخفقت فيه القوى العظمى. ربما يكون السبب الرئيسي هو العلاقة الجيدة التي تتمتع بها كل من البرازيل وتركيا مع إيران، فنحن نتحدث مع الحكومة الإيرانية بكل احترام وتفهم. ثانيا: البرازيل وتركيا ليستا من الدول النووية، لذا تتمتعان بقدر كبير من الشرعية في القضايا التفاوضية التي تتعلق بالملف النووي الإيراني.

ثالثا: لم تتسرع أي من الدولتين في إطلاق الحكم على البرنامج النووي الإيراني بأنه ليس لأغراض سلمية، ويعد الشك أمرا مشجعا وورقة لعب ذات قيمة في أي مفاوضات.

وأخيرا، كثيرا ما اعترفت البرازيل وتركيا بحق إيران في تبني برنامج نووي سلمي، انطلاقا من أنه حق لكل الدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية شريطة عدم خرق أي من بنود تلك الاتفاقية والالتزام بضوابط الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

المفاجئ هو أنه في اليوم التالي لإعلان طهران، سارعت الدول الغربية، التي بدت أكثر اهتماما بالتوصل إلى صفقة، إلى إعلان مجموعة أخرى من العقوبات من قبل مجلس الأمن، بغض النظر عن النتائج التي حققها الرئيس لولا ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. مع الأسف لم تحدث المحاولات الدبلوماسية التي تبذلها البرازيل وتركيا التأثير المرغوب فيه. يبدو أنه حينما يتعلق الأمر بالسلام والأمن، يظل حكم العالم مقصورا على 5 قوى ثابتة.

ومع ذلك، أثبتت الجهود البرازيلية - التركية أهمية انخراط لاعبين جدد يتبنون مقاربات وتوجهات جديدة وتوسيع دائرة الحوار والمشاركة في البحث عن حلول للقضايا الصعبة.

سيتم الاعتراف بأهمية إعلان طهران إن آجلا أو عاجلا. ينبغي أن يحظى منهج البرازيل وتركيا، القائم على الاحترام المتبادل والتعاون والمرونة الصادقة المتبادلة، بالاهتمام الكافي في أي محاولة للعودة إلى المسار الدبلوماسي في المستقبل. من الصعب تصور إمكانية تحقيق تقدم حقيقي في الوقت الذي تظل فيه هذه القيم خارج غرفة المفاوضات. يوضح هذا الموقف مدى استقلالية البرازيل وعدم تأثرها بالأفكار المسبقة.

* وزير الخارجية البرازيلي الأسبق من 1993 إلى 1994 ومن 2003 إلى 2010

* بالاتفاق مع «كايرو ريفيو»