والفضل يعرفه ذووه..

TT

إذا جاز الحديث عن «جميل» نكرانه كان أفضل من إغداقه.. لكانت زيارة السفير الأميركي في سوريا، روبرت فورد، إلى حماه، الأسبوع الماضي، أفضل مثال على هكذا «جميل».

سواء صحت ذريعة السفير بأن غاية الزيارة كانت التأكد من «نوايا» النظام السوري حيال انتفاضة حماه، أم أنها كانت محاولة «ميدانية» لاستكشاف الطابع السياسي العام للانتفاضة - وتحديدا ما إذا كان للسلفيين و«الإخوانيين» دور قيادي فيها - لم تكن الزيارة مرغوبة لا من حيث توقيتها ولا من حيث غايتها.

حماه وأبناء حماه كانوا بغنى عن زيارة كهذه جاء مردودها سلبيا على الانتفاضة وإيجابيا على النظام. وإذا كانت واشنطن قد أوحت، بموافقتها رسميا على هذه الزيارة، بأنها لا تقدّر حتى الآن، وبالواقعية الدبلوماسية المفترضة، ما لحق بسياساتها الشرق أوسطية من تدهور - خصوصا بعد غزو العراق والفشل في الضغط على إسرائيل لتقديم «تنازلات» مطلوبة دوليا لتحقيق التسوية السلمية في المنطقة - فلا عذر لسفارتيها في دمشق وبيروت إن قصرتا في تنبيهها إلى أن «شعبيتها» المنهارة ودبلوماسيتها المريبة كفيلتان، بحد ذاتهما، بتشويه سمعة أي قضية عربية «تتبرع» لدعمها.. مجانا.

قد يكون من سوء الظن الزعم بأن الإدارة الأميركية ربما توخت خدمة النظام السوري، وليس دعم الانتفاضة الشعبية، بموافقتها على هذه الزيارة. وهذه الفرضية تبدو واردة بعد مسارعة وزارة الخارجية الأميركية إلى الدفاع عن تصرف سفيرها في دمشق قاطعة أي ظن بأن تكون الزيارة قد تمت بمبادرة أميركية «محلية» – أي من السفارة وحدها.

ولكن أي تقييم سياسي لقرار زيارة حماه، على خلفية مواقف الإدارة الأميركية الداعية إلى «إصلاح» النظام السوري من داخل النظام، يخرج هذا القرار من دائرة سوء الظن إلى دائرة المناورة الدبلوماسية الذكية.

وإذا جاز اعتبار الموقف التركي مما يحدث في سوريا مؤشرا آخر على تفضيل الولايات المتحدة إصلاح النظام السوري (من داخل النظام)، وليس من خارجه، يجوز الافتراض بأن التطمينات التي قدمها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في طهران لنظيره الإيراني علي أكبر صالحي، الأحد الماضي، بغية «تبديد» قلقه من موقف أنقرة من التطورات الجارية في سوريا، غير بعيدة عن الموقف الأميركي منها، خصوصا لجهة دعوة وزير الخارجية التركي نظيره الإيراني «للضغط» على دمشق لإجراء إصلاحات سياسية سريعة في النظام.

يبقى توقيت زيارة السفير الأميركي الميمونة إلى حماه. وهنا يكفي أن تتم هذه الزيارة عشية انطلاق جلسات «هيئة الحوار الوطني» في دمشق لتثير تساؤلات واسعة عن علاقة هذه الزيارة بالانتفاضة الشعبية في حماه، الأمر الذي يضفي بعضا من المصداقية على اتهام النظام السوري المتظاهرين في شوارع حماه وشوارع وساحات المدن الأخرى بأنهم يتحركون بتحريض من «جهات أجنبية».. وبالتالي ترجيح كفة معارضي هيئة الحوار على معارضي الشارع في أي مشروع إصلاحي قد يعتمد في سوريا.

وفي وقت تبدو فيه التطورات السورية متجهة - كما قال نائب الرئيس السوري فاروق الشرع - نحو خيارين: إما الحوار أو «التدمير الذاتي»، لا يسع أي عربي حريص على استقرار سوريا ووحدتها إلا أن يتمنى تغليب لغة الحوار على «اللاحوار» وتسريع انتقال النظام إلى «تعددية ديمقراطية» - كما وعد الشرع وتأمل واشنطن - شرط ألا يقتصر هذا الحوار على «أهل الدار» فينتهي بما انتهى إليه الحوار الوطني في لبنان: في ملفات التاريخ.

وهنا تبرز مسؤولية النظام السوري في تقديم مبادرة «حسن نوايا» تبدأ بوقف دورة العنف وإطلاق المعارضين المعتقلين ليؤكد بما لا يقبل الشك تخليه نهائيا عن حل أمني متعذر – بل مستحيل - لأزمة سياسية بامتياز، وبالتالي فتح طاولة الحوار لممثلي الانتفاضة الشعبية.