العالم وفقا لرؤية روبرت مردوخ

TT

دائما ما تشعر مؤسسة «نيوز كورب»، التي يملكها روبرت مردوخ، بالغضب وبأنها هي الضحية، وقد نجح مردوخ بإدراكه الواسع في بناء إمبراطورية صحافية وتلفزيونية على أنقاض يأس منافسيه التقليديين (وسيقول مردوخ: النخبويين كذلك)، غير أن فضيحة التنصت على الهواتف التي تحيط الآن بواحدة من الصحف البريطانية التي يملكها مردوخ تبين كيف يمكن تآكل هذا النمط من الصحافة.

ومن المعروف منذ عام 2006 أن صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، التي يملكها مردوخ، قد نشرت حقائق عن العائلة المالكة البريطانية بناء على رسائل هاتفية جرى التنصت عليها بصورة غير مشروعة، ولكن الجريدة قد أصرت على أن عملية التنصت قد تمت من خلال مراسل واحد وخبير استشاري خارجي، ورفضت الصحيفة طلبا بفتح تحقيق على نطاق أوسع، وهو نفس موقف - وفقا للتقارير الصحافية - مسؤولي الشرطة الذين يخشون من كشف تفاصيل حياتهم الشخصية عن طريق الصحف التابعة لمؤسسة «نيوز كورب» إذا ما واصلوا التحقيقات بقوة.

وقد بدأ هذا الهرم من الإنكار في الانهيار، وسط غضب الرأي العام البريطاني من التقارير التي تفيد بأن عملية التنصت قد طالت آلاف الأشخاص، بما في ذلك الفتاة التي تبلغ من العمر 13 عاما والتي تم اختطافها وقتلها، بالإضافة إلى سياسيين بارزين ومسؤولين عن إنفاذ القانون. وقد بدأت تداعيات هذا الحدث في الظهور: مع تصاعد الغضب المحيط بهذه الفضيحة خلال الأسبوع الجاري، قامت مؤسسة «نيوز كورب» بسحب العرض المقدم للاستحواذ الكامل على شبكة «بي سكاي بي» البريطانية التي كانت تمتلك فيها أسهما بالفعل. والأهم من ذلك أن الشرطة قد سألت مساعدي مردوخ السؤال الذي يدور في خلد كل من يتابع التحقيق وهو: ما المعلومات التي اطلعوا عليها ومتى حدث ذلك؟

ما هو حجم المعلومات التي اطلع عليها مردوخ؟ سيكون هذا أحد الأسئلة الأساسية في التحقيقات التي سوف تجريها الشرطة البريطانية والتحقيقات البرلمانية خلال الأسابيع المقبلة. وغالبا ما يوصف مردوخ بأنه «رجل يحب التفاصيل» ويتحدث مع المديرين التنفيذيين لوسائل الإعلام في مؤسساته عدة مرات في اليوم، ولكن هذا لا يعني التغاضي عن الأعمال غير المشروعة التي يرتكبها الآخرون.

وقد ظهرت مقاومة «نيوز كورب» لفتح تحقيقات في هذا الشأن العام الماضي من خلال ردها على المقال الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في الأول من شهر سبتمبر (أيلول)، حيث ألقى المقال الضوء على تفاصيل فشل سكوتلنديارد في التحقيق في اتساع نطاق عملية التنصت على الهواتف من قبل صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» ونقل المقال عن موظف لم يذكر اسمه قوله إن آندي كولسن، رئيس تحرير الصحيفة في ذلك الوقت، كان على بينة بعملية التنصت على الهواتف، كما نقل المقال تقريرا للبرلمان في شهر فبراير (شباط) 2010 اتهم مسؤولي صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» بـ «التضليل المتعمد» من خلال إنكارهم.

وكان رد فعل معسكر مردوخ على مقالة «نيويورك تايمز» شديد الأثر: فبدلا من الاعتراف بالخطأ، حذر بيل أكاس - وهو مدير تحرير صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» – صحيفة «نيويورك تايمز» بشدة من نشر هذا المقال.

وعندما استمرت «نيويورك تايمز» فيما تقوم به، أرسل أكاس خطابا ساخطا بحجة أن الجريدة قد هاجمت «نيوز أوف ذي وورلد» بسبب التنافس بين «نيويورك تايمز» وصحيفة «وول ستريت جورنال» المملوكة لمؤسسة «نيوز كورب». وقال أكاس: «يبدو لنا أن تحقيقكم دائما ما تشوبه المصالح مما يعني أنه يشكل خرقا خطيرا ومتعددا للمبادئ الأخلاقية الخاصة بكم». وفي الواقع، تبدو رسالته العدوانية، والتي نشرت العام الماضي على موقع صحيفة «نيويورك تايمز» الإلكتروني، مثيرة للاهتمام الآن، في ضوء ما ظهر مؤخرا.

لقد ترسخ شعور في «نيوز كورب» بأنها هي الضحية، ففي كثير من الأحيان يرد المديرون التنفيذيون في «نيوز كورب» على الانتقادات باستياء وكأنهم مضطهدون، زاعمين أن المعارضين ما هم إلا صفوة من النخبة التي لا تتواصل مع الجماهير. وفي خطاب وجهه إلى مؤتمر يضم محرري الصحف البريطانية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، دافع أكاس عن صحيفته في مواجهة «النخبة المغرورة»، موضحا أن شكاواهم كانت «نوعا من التفويض لاحتكار الطبقة العاملة».

في الواقع، يمكنك سماع نفس الموضوع عندما أكدت شبكة «فوكس نيوز» على أن تغطيتها اليمينية هي تغطية «عادلة ومتوازنة»، حتى لو تضمن تعليقها قائمة من الجمهوريين الطامحين للوصول إلى الرئاسة. وأكد معلقو شبكة «فوكس نيوز» على أن وكالات الأنباء التقليدية الأخرى ليست على اتصال بالأميركيين على أرض الواقع. وشكا مردوخ نفسه من ولاء صحيفة «بوسطن غلوب» «للطبقة العليا والموقف الليبرالي» عندما اشترى منافستها «بوسطن هيرالد» في عام 1982.

وبما أننا نتحدث عن روح الإنصاف والتوازن، اسمحوا لي أن أوضح لمردوخ نقطة واحدة في غاية الأهمية: لم يكن مردوخ ليحقق كل هذا النجاح لو لم يكن بعضا من خصومه من النخبة التي تميل إلى اليسار وتكون في الغالب مملة للغاية. قد تكون الصحف والشبكات التلفزيونية التابعة لمردوخ تزيد من المعايير المتبعة ولكنها تقدم التسلية كذلك.

إن عناء إمبراطورية مردوخ يمكن أن يفهمه ألكسندر هاملتون، وهو أكثر المراقبين الأميركيين حكمة فيما يتعلق بمخاطر الخطاب الشعبي، ويبدو أن ارتباط «نيوز كورب» برجل الشارع العادي قد ولد نوعا من الغطرسة والاحتقار للقواعد التقليدية. كل شيء مباح باسم الجماهير، ولكن للأسف، هذه هي الصفات المميزة، عبر التاريخ، لأولئك الذين يدعون أنهم يتحدثون باسم الشعب وأنهم مدعومون بحب الشعب.

* خدمة «نيويورك تايمز»