التحية (لزميلي) الشيخ الكلباني

TT

الشيخ (عادل الكلباني) إمام الحرم المكي السابق، لا شك أنه من أحسن الأئمة قراءة وله صوت شجي، وسبق له أن أفتى بجواز الغناء، ولكنه عندما جوبه بحملة شعواء على فتياه تلك، سرعان ما تراجع (وحاص) وانتقل بقدرة قادر وبغمضة عين من التحليل إلى التحريم، وإنني لا ألومه في ذلك، لأنني أنتمي إلى هذه المدرسة التي تؤثر السلامة على التهلكة، فما أكثر ما لحست قناعاتي، وما أكثر ما نخيت، وما أكثر ما قلت للقرد: أنت يوسف في الحسن بل وأكثر.

بعد هذه المقدمة التي ليس لها داع أدخل في الموضوع الذي أجبرني عليه قراءتي لمقال كتبه الشيخ عن (فقه الرحيل) - وهو يقصد بذلك (عصلجة) رحيل الرؤساء في بعض البلاد العربية في هذه الأيام - وكان له في ذلك سقطة لست أدري كيف طب فيها، وهي سقطة لا يقترفها أجهل الجهلاء في أنفة العرب، وذلك عندما قال: كان العربي الذي يفترش الصحراء يأكل الهوام والخنافس(!!) - والهوام التي يقصدها هي الثعابين والعقارب وما شابه ذلك - أما الخنافس فكلكم تعرفونها، وعلى كل حال فغلطة الشاطر بألف مثلما يقولون، ولا يخفف من هذه الغلطة إلا باستشهاده (بأوبرا وينفري) المذيعة الأميركية ببرنامجها الشهير، عندما توقفت عن تقديمه بكل شجاعة بعد ما لا يقل عن 25 سنة من النجاح المتواصل.

ومعنى ذلك أن إمام الحرم السابق يتابع مثلي برنامج (أوبرا) وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن مشايخنا قد دخلوا في مرحلة جديدة، وبدأوا يسايرون العصر، ويا فرحتي أنا على الأقل بذلك.

وإنني من على هذا المنبر المتواضع أبعث تحياتي وتقديري (لزميلي) الشيخ الكلباني الذي لا أعرفه.

وبما أننا بصدد الحديث عن شيخ من مشايخ الحرم، فلا يفوتني إلا أن أعرج على شيخ آخر قديم هاجر من الهند واستوطن في مكة عام 1291 هجرية، وهو العلامة (محمد شفيع الدين).

ولو أنه عاش في زمننا هذا فلا شك أنه سوف يكتب اسمه بكل جدارة في كتاب (غينيس) للأرقام القياسية، وذلك لأنه استمر من دون كلل أو ملل لمدة 48 سنة متواصلة، وهو يصلي طوال هذه المدة في الحرم الشريف، بل إنه كان يصليها كلها جماعة، بل وأكثر من ذلك ما كان يترك الصلاة في الصف الأول.

ولا أظن أن هناك أحدا قد بزه في هذا الشرف في كل تاريخ الإسلام السابق، وأشك أن أحدا سوف يكسر رقمه القياسي ذاك في كل تاريخ الإسلام اللاحق.

ويا بخت الشيخ (شفيع الدين) الذي كاد يكتب صك دخوله للجنة بمشيئة الله، وذلك من خلال مثابرته التي لم تتوقف ولا في أي يوم من الأيام، ولا في أي فرض من الفروض، رغم المرض والعجز والظروف، والغريب أنه مات بالسكتة القلبية بعد أن انتهى من صلاة الفجر، وغسلوه بماء زمزم وكفنوه وصلوا عليه في الحرم ثم دفنوه.

إنني بعد أن قرأت عن حياة ذلك الشيخ أصبت بالإحباط عندما وجدت أنني في هذا المجال لا أعدو إلا أن أكون أتفه من التفاهة.

فيا الله يا رب العالمين، ها أنذا أتقدم إليك طائعا مستسلما أن يشملني عفوك عن كل ما اقترفته في (دنيتي) المضطربة هذه.

[email protected]