أنت قرص تليفون لأصابع لا تهدأ!

TT

أنت لا تعرف ربك إلا إذا كنت في لحظة واحدة باهرة عرفت هذه الحقيقة: أنك قطعت عمرك كله مسحوبا من عقلك وقلبك وغرائزك، وأنك في ساقية تدور وتدوخ، وأنك أسلمت نفسك لجلاد هو الليل والنهار.. هو المال والجاه والأولاد واللذة والخوف والطمع واليأس والشك.. وأنه لا وقت عندك لكي تفكر في شيء تفعله أو سوف تفعله، وأنك لست وحدك كذلك ولكن كل الملايين من الناس من كل لون وكل زمان وكل مكان وكل دين.. فأنت قرص تليفون في أصابع لا تهدأ إلا بالموت.. وإلا في بعض اللحظات عندما تكون قريبا إلى الله.

إنني لم أقل شيئا، لكني فقط لم أسكت عن محاولة القول.. إنني لم أختر أنسب الكلمات، لكني أحاول أن أختار أنسب المعاني.. إنني الآن فقط عذرت الذين انفتحت لهم «طاقة القدر» فنسوا أن لهم لسانا يطلبون به شيئا من الله.. وانقفلت طاقة القدر في وجوههم ودونهم ولم يتحقق لهم شيء.. لأنهم لم يروا شيئا.. وكنا ونحن صغار نتواصى بأنه إذا انفتحت لنا طاقة القدر طلبنا إلى الله بقلوبنا.. دون حاجة إلى الشفتين واللسان.

وإن قلبي قد امتلأ بالكثير، لكن المشكلة هي كيف أنقل هذا الكثير في القليل من الكلمات والحروف؟ كيف أعبئ النور واليقين والرهبة والجلال والجمال والصفاء والبهاء في هذه الحروف السوداء الصغيرة؟ كيف؟ إنه لأمر صعب!

ولولا أنه من الضروري أن أقول.. لطويت نفسي على راحتي ورضاي واستمتعت بهذه النعمة العظيمة وحمدت الله على القليل الذي أعطاني.. وليست راحة النفس شيئا قليلا!!

ولا أعرف ما الذي طلبته من الله بالضبط.. إنني توجهت إليه بغير كلام، لكني لم أنسَ أن أردد شكوى الرسول، صلى الله عليه وسلم، حين قال: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس».

ولم أنسَ أن أكرر كثيرا ما كان يقوله الرسول أيضا: «اللهم لا تجعلني قليلا ذليلا.. أن أكون بك كثيرا سليما كريما».

إنني أعذر هؤلاء المساكين رواد الفضاء الذين هبطوا لأول مرة على القمر.. أن أناسا أعقل منهم عرفوا روعة التجربة المثيرة سوف تجعلهم عاجزين عن التعبير.. ولذلك علموهم أن يقولوا هذه العبارة البليغة: هذه خطوة صغيرة لإنسان، لكنها كبيرة للإنسانية!

فاللهم اجعلها خطوة كبيرة أيضا لغيري من الناس الذين هم نيام في حياتهم، فإذا ماتوا انتبهوا أو قبل الموت بقليل!