مصر: العسكر بلا مشروع سياسي

TT

المجلس العسكري في محنة، تحاصره الاحتجاجات، منذرة بثورة ثانية تتحدى سيطرته، ولم يعد خافيا على أحد أن المجلس هو من يحكم مصر فعليا منذ إسقاط مبارك قبل خمسة أشهر. بصماته واضحة في إدارة الأزمة بعناصرها: الاحتجاجات والأحزاب والإعلام.

ومع أن نبرة البيان العسكري الأسبوع الماضي كانت قوية إلا أنه كان بلا صدى، ففي اليوم الذي حذر فيه الشباب لأول مرة بأنه لن يسمح بالفوضى، قُدمت للمحتجين تنازلات، فأُعلنت أحكام بسجن رئيس الوزراء ووزراء سابقين، وتعهد العسكر أيضا بأن يتركوا رئيس الحكومة الحالي يختار وزراءه.

لماذا يعجز العسكر عن السيطرة على الوضع؟

أولا: لأن الوضع معقد، وثانيا: لأنهم لا يملكون مشروعا سياسيا يحمل توقيعهم. ضباط ثورة عام 1952 جاءوا بمشروع سياسي مكنهم من الحكم لعقود. أقصوا الأحزاب الوطنية وحاصروا «الإخوان المسلمين» الذين كانوا جزئيا شركاء. بالتأكيد ثورة اليوم مختلفة في عناصر كثيرة عن سابقتها، يضاف إليها أن القيادة العسكرية ليست هي صاحبة الثورة بل حارستها. وعندما تسنمت الحكم تسلمت الدفة بلا مشروع واضح. فقط لعبت دور الشرطي المنظم لحركة الميدان السياسي، وعم الفراغ الذي نتج عن سقوط حكم سياسي كبير. لم يعد في البلاد رئيس أو رئاسة، ولا مؤسسات تشريعية، ولا أجهزة تنفيذية بكامل طاقتها. وبلا قيادة سياسية ولا برنامج عمل تصبح الفوضى الخيار المحتمل. لهذا صعد كل طرف مطالبه؛ الشباب يطالبون بتنفيذ الوعود، يريدون عدالة رغم أن المحاكمات السريعة نقيض العدالة، يريدون إقالة حكومة عصام شرف وهم الذين أسقطوا «شفيق» خيار العسكر، وجيء بـ«شرف» فرحب به ثوار الميدان وعدوه من رفاقهم. ويطالبون بتحسين الأجور في حين أن اقتصاد البلاد شبه معطل واحتياطياته في تناقص خطير، وفوق هذا لا توجد بعد حكومة منتخبة.

أعتقد أن المشروع الوحيد عند المجلس العسكري هو الانتظار حتى موعد الانتخابات البرلمانية التي قد لا نراها قبل نهاية العام.

لو أن القيادة العسكرية انخرطت منذ البداية في التخطيط والترويج لمشروع سياسي لمصر ربما وضعت الجميع أمام خيارات محددة. على الأقل كان لها أن تشرف على حوار سياسي، وتشارك في الحكومة، وتكون أكثر شفافية في مواقفها حيال القضايا الكبرى في الميدان. فضلت لعبة الصبر والانتظار، واعتمدت تكتيك التنازل ببطء، ورقة بعد ورقة حتى نفدت أوراقها، وتقف اليوم عارية أمام الجموع التي أسقطت مبارك، أو تظن أنها التي أسقطته.

صارت الأسئلة أكثر إلحاحا؛ ما هو موقفها من محاكمة رموز النظام القديم، ماذا ستفعل بالرئيس المخلوع؟ ماذا تنوي أن تفعل بالمتهمين بقتل المتظاهرين؟ ما هو مخططها للتعامل مع جهاز الأمن الذي يطالب البعض بحله؟ بل إلى أي مدى هي مستعدة لاجتثاث الصفوف الأولى من القيادات في القطاعات الحكومية؟ أين تقف من صراع الدستور والانتخابات؟ ما الحد الذي تنتهي عنده حرية الإعلام بالنسبة لها؟ باختصار هل تريد القيادة العسكرية أن تحكم حتى نهاية الفترة الانتقالية التي قد تدوم عاما أو عامين؟

لا تزال المؤسسة العسكرية في مصر هي صمام الأمان الوحيد، خاصة أن الثوار من أطياف مختلفة، والخلافات بينهم تتسع. ولا تزال لها هيبة واحترام عند عامة الناس، وإن كانت تخسر معركة الرأي العام بسبب عجزها عن التعبير والدفاع عن مواقفها، هذا إذا كانت لديها مواقف أصلا.

[email protected]