سياسة خارجية للإنترنت

TT

جاء إعلان إيران مؤخرا عن سعيها لعزل الفضاء الإلكتروني الإيراني عن باقي العالم، كمؤشر قوي جديد على أن شبكة الإنترنت تواجه خطر تفتيتها إلى مجموعة من الشبكات الصغيرة الوطنية، لكل منها قواعدها الخاصة وقيودها. في المقابل، اتخذت الولايات المتحدة موقفا قياديا واضحا تجاه بناء إجماع عالمي حول فوائد وجود شبكة إنترنت مفتوحة تتصل أطرافها المختلفة ببعضها.

في مايو (أيار)، أصدر الرئيس أوباما الاستراتيجية الأميركية الدولية تجاه الفضاء، وهي الأجندة الخاصة بنا لحماية وجود شبكة إنترنت واحدة. من جانبها، طورت وزيرة الخارجية هيلاري رودهام كلينتون أجندة رائدة في مجال حرية الإنترنت، تعد بمثابة توجه مسؤول نحو الحفاظ على حرية الاتصال - وحريات التعبير وتكوين الاتحادات والتجمع عبر شبكة الإنترنت - وضمان قدرة الإنترنت على العمل كمنصة للتعاملات التجارية والنقاش والتعلم والابتكار في القرن الـ21. واتخذ مسؤولون حكوميون رفيعو المستوى وأطراف أخرى مشاركة في اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال هذا الشهر، خطوة كبرى في اتجاه هذه الأهداف عبر إعلانهم الالتزام بمبادئ صنع السياسات المعنية بالإنترنت.

المؤكد أن الإنترنت أداة قوية للابتكار والتعبير لما تسمح به من تدفق حر للمعلومات والأفكار. وطبقا لمؤسسة «ماكينزي»، فإن شبكة الإنترنت أسهمت في جزء كبير من النمو على امتداد الأعوام الـ15 الماضية تكافئ ما حققته الثورة الصناعية خلال 50 عاما. ومن الواضح أن الدور الرئيسي للإنترنت يتعلق بالوظائف - خاصة داخل الولايات المتحدة. يذكر أنه على امتداد السنوات الخمس الماضية، كانت الإنترنت مسؤولة عن 21 في المائة من النمو الذي تحقق داخل الاقتصادات الناضجة، وخلقت 2.6 مليون وظيفة مقابل كل وظيفة تسببت في محوها. ولا يكافئ قوتها في مجال الإبداع سوى إمكاناتها في مجال معاونة الأفراد على الحصول على حقوقهم وتحقيق تطلعاتهم الديمقراطية.

وتتميز الإنترنت بإنتاجية عالية وقوة كبيرة نظرا لغياب سلطة مركزية تحكمها وعدم وجود دولة معينة تملكها. على صعيد الإنترنت، لا يحتاج المرء إلى تصريح للتشارك في الأفكار أو التواصل مع آخرين من مختلف أرجاء العالم. على العكس، يسمح النظام اللامركزي للعناصر العامة والخاصة بالتعاون لضمان عمل الشبكة وتوسعها. إلا أن ذلك يعني أن الدول التي تختار اتباع سياسات صارمة حيال تنظيم الإنترنت بإمكانها تقليص قيمة الشبكة لكل دولة أخرى ومستخدم آخر. وعليه، يتعين اتخاذ إجراء جماعي لحماية هذا الكنز العالمي. وقد أصبح من الضروري إقرار سياسة خارجية للتعامل مع الإنترنت. ونحن في حاجة إلى العمل مع دول وأطراف معنية أخرى لبناء إجماع عالمي حول أهمية الاتصالات المفتوحة عبر الإنترنت بين جميع المستخدمين - في كل مكان بالعالم. ويجب أن نبني إجماعا حول القواعد والتوقعات اللازمة لتحقيق هذه الرؤية المرتبطة بالسلوك. ولذلك، تدعو استراتيجية الرئيس إلى شراكة دولية لدعم شبكة إنترنت مفتوحة آمنة ويمكن الوثوق بها. ولذلك أيضا دعت وزيرة الخارجية المجتمع الدولي لـ«الانضمام إلينا في الرهان الذي قمنا به، وهو رهان على أن الإنترنت المفتوحة ستؤدي إلى دول أقوى وأكثر ازدهارا».

يذكر أن الاجتماع الأخير الذي دعت إليه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (وهي المنظمة المعنية بمعايير سياسات الاقتصادات الدولية) حضره قادة 40 حكومة ومؤسسة تجارية والمجتمع الفني المتعلق بالإنترنت. وتمخض الاجتماع عن مجموعة من المبادئ العريضة لحماية شبكة إنترنت مفتوحة تتناول ثلاثة تهديدات دولية أساسية لشبكة إنترنت واحدة متصلة ببعضها.

ينبع التهديد الأول من بعض الحكومات والكيانات الدولية، حيث عقد العزم على فرض أنظمة تنظيمية للاتصالات عن بعد تنتمي إلى حقبة ما قبل الإنترنت بهدف ضمان سيطرتها على تدفق المعلومات (والأموال) على غرار سيطرتها قديما من خلال احتكار شركات الهاتف. وتمثل المبادئ التي أجمع عليها أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خطوطا إرشادية لأفضل الممارسات الممكنة، منها دعم التوجه الراهن المعتمد على عدة أطراف معنية كبديل للقيود الرجعية على الإنترنت.

ويرتبط التهديد الثاني بكيفية تناول القضايا المهمة، مثل حماية البيانات الشخصية والأطفال والمستهلكين وحقوق الملكية الفكرية وأمن الإنترنت، من دون تفتيت الإنترنت أو تقييد المنافسة والتدفق الحر للمعلومات. وتوفر المبادئ التي أقرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خطوطا إرشادية لكيفية الاستجابة لهذه التحديات. من جانبها، تعكف إدارة أوباما بالفعل على تنفيذ هذه الإرشادات داخليا، وتتعاون مع دول أخرى لإيجاد حلول تقنية لتجنب التنظيمات أحادية الجانب المتعارضة مع رؤية الإنترنت المفتوحة.

ويأتي التهديد الثالث من إيران وسوريا وأنظمة استبدادية أخرى على صعيد الإنترنت تستغل ذرائع لحرمان مواطنيها من حقوقهم في التعبير عن أنفسهم، والبحث عن والحصول على معلومات، والتواصل مع آخرين بحرية. وتوضح إرشادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن بإمكان الدول تناول التحديات التي تواجهها من دون انتهاك هذه الحقوق الأساسية.

بوجه عام، ستتطلب سياستنا الخارجية المرتبطة بالإنترنت بناء دعم لهذه المبادئ بالتعاون مع حكومات وأطراف من مؤسسات تجارية والمجتمع المدني. وسنحتاج إلى العمل مع دول أخرى لإظهار أن هذه المبادئ ناجعة. وستستلزم سياساتنا الدبلوماسية أيضا الاستمرار في بناء دعم لـ«حرية الاتصال» للجميع، وفوائد حقوق الإنسان والإبداع والتجارة الحرة القادمة من الإنترنت. ورغم أن الأهداف طموحة، فإن مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تعد أداة قوية لمساعدتنا على تحقيقها.

* كارين كورنبلاه السفيرة الأميركية لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ودانييل ويتزنر نائب رئيس الشؤون التقنية المتعلقة بسياسة الإنترنت داخل البيت الأبيض.

* خدمة «واشنطن بوست»