لعبة الكراسي

TT

أكتب إليكم هذه الكلمات ودرجة حرارتي تلامس (40) درجة، ومعنى ذلك أنني على حافة (الهذيان)، فاعذروني لو أنني لخبطت، خصوصا أنني سوف أخوض في وحل السياسة، الله يكفيني شرها.

وإنني على يقين لو أن (حسني مبارك) تنازل عن الحكم عام 2005، وأعلن أن ابنه لن يترشح ويخوض الانتخابات، لأقام له الشعب أكبر تمثال في أكبر ميدان، بدلا من أن يطالبوا اليوم بمحاكمته وإعدامه كمجرم، وقطعا سوف يفوز في تلك الانتخابات رئيس جديد، لكن صدقوني لو أن جمال مبارك الابن بعد انقطاع خمس سنوات رشح نفسه في انتخابات (2010) لفاز فيها بكل سهولة على مبدأ (لا تعرفني إلا إذا جربت غيري)، لكن للأسف أن هذا (التكتيك) قد غاب عن فطنة الرئيس مبارك، وانطبق عليه اليوم المثل القائل: (إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه).

لكن هذه هي لذة الحكم قاتلها الله، وهي لذة أين منها لذة الجنس، وهي كالخمر التي تلعب وتذهب بالعقول، وها هو (عبد الناصر) صاحب الاختراع العبقري بنسبة (99.9 في المائة) لو لم يمت بالسكتة القلبية لظل على الكرسي إلى ما شاء الله، وكذلك (السادات) لو لم تقتله الرصاصات لقتلته الشيخوخة من دون أن يتخلى عن الكرسي الوثير.

ودعونا من (الملكيات) في العالم العربي فهي واضحة وأمرها معروف، لكن اسمحوا لي أن أتحدث باختصار عن (الجمهوريات)، وسوف آخذها على طريقة (بالدور يا شباب).

وتلفتوا حواليكم فها هو (صدام) ظل متشبثا بالكرسي إلى أن قطف حبل المشنقة عنقه، وكان يهيئ ابنه لخلافته، ثم (الأسد) ورث ابنه (شاهر ظاهر) من دون أن يرف له رمش، و(مبارك) كان يتحين الفرصة لابنه كذلك، ولا ننسى العميد الشبل الابن (أحمد علي عبد الله صالح)، أما (القذافي) فعالمه عالم، ومن سوء حظ (زين العابدين) أنه لم يكن له ابن ذكر ليخلفه، وأتعس منه حاكما الجزائر والسودان، فليس لهما يا حسرة أي أبناء البتة، وكأنهما مقطوعان من شجرة، والدولة الوحيدة الديمقراطية في العالم العربي هي (جمهورية الصومال) المزدهرة التي ترفل بالدمقس وبالحرير.

ولكي لا نظلم الرؤساء العرب، ونوجه لهم فقط أصابع الاتهام، فدونكم دولتين تعتبران أكثر دول العالم تطرفا واشتراكية..

فها هو (كاسترو) الذي جثم على صدر كوبا أكثر من خمسين سنة، عندما أعياه المرض والخرف لم يجد في الشعب الكوبي كله غير أخيه ليخلفه.. وها هو زعيم (كوريا الشمالية) الراحل، سلم السلطة لابنه، الذي بدوره يهيئ ابنه الآن لخلافته.

ألم أقل لكم إن لذة الحكم هي أشهى بمراحل من لذة الجنس؟!.. ومن أجل تلك اللذة اللعينة الجبارة سفكت الدماء أنهارا عبر العصور المظلمة الماضية والحاضرة.

وقد فطنت الدول الغربية لهذه (المعضلة) فاخترعت فكرة ما يسمى (بالديمقراطية) وتبادل السلطة بالتراضي عن طريق الانتخابات، لهذا تقدمت تلك الدول لأنها أمنت واستقرت من أي هزات عابثة.

تخيل لو أنك أردت أن تنتزع من طفل غرير لعبته المفضلة ماذا سوف يكون رد فعله؟!.. إنه سوف يتشبث بها باستماتة، وعندما يعييه ضعفه سوف (يدنّها بكوه). كذلك هم أطفالنا، أي بعض زعماءنا العرب مع (لعبة الكراسي) المملة والمكلفة.

[email protected]