الثورات العربية.. وإعادة كتابة تاريخنا المعاصر

TT

التاريخ مرآة حقيقية للأمم، يعكس بموضوعية وصدق ودقة وأمانة أحداث ووقائع ماضي وحاضر الدول والمجتمعات، وفي التاريخ شحذ وإيقاظ للعزائم والهمم، كما تستلهم الأمم وتستشرف من خلاله مستقبلها. وتعد الثورات العربية، منعطفا تاريخيا مهما في أحداث تاريخنا المعاصر، وتستحق الاهتمام من كل المعنيين والمهتمين، حيث تفرض أحداثها ووقائعها العديد من التساؤلات، كما تتطلب وتؤكد على ضرورة إعادة كتابة وتدوين أحداث تاريخنا المعاصر، بصورة صحيحة وموضوعية بعيدة عن أي زيف أو تشويه أو تعصب أو محاباة أو أهداف أو مكاسب، حتى يمكن الاستفادة منها واستلهام الدروس والعظات والعبر، وخاصة للأجيال الناشئة، مع أهمية ربط أحداث الحاضر المعاصرة بالماضي لاستشراف آفاق المستقبل.

ولكن، هناك العديد من الأسئلة المهمة التي تفرض نفسها بخصوص إعادة كتابة تاريخنا المعاصر، من بينها: ما هي موضوعات وأحداث وقضايا الثورات والمظاهرات العربية التي يجب أن تتضمنها دروس تاريخنا المعاصر؟ ومن هم الأشخاص الحقيقيون الذين صنعوها وما هي أدوارهم؟ ومن هم المعنيون بكتابة وتسجيل وتدوين ومراجعة هذه الأحداث والوقائع؟ وهل هناك مفاهيم وموضوعات وقضايا فكرية أخرى مهمة وعاجلة يجب أن تتضمنها دروس التاريخ، للاستفادة منها مستقبلا في استقرار وأمن المجتمعات العربية؟ وكيف يمكن إشراك الرأي العام في إعادة كتابة تاريخنا، وما هو القدر المطلوب منهم، رغم أن ما لديهم من معرفة وخبرات وأدوات علمية منهجية قد لا يسعفهم في ذلك؟ وما هي التحديات التي يمكن أن تواجه إعادة كتابة حقائق تاريخنا بمصارحة ومكاشفة كاملة؟ وكيف يمكن أن تؤدي إعادة كتابة وتوثيق تاريخنا المعاصر بموضوعية وصدق إلى رسم معالم التقدم والرقي في المجتمع؟ وما هي النظم والمسارات العالمية المعاصرة التي يمكن الاستفادة منها والأخذ بها في إعادة كتابة تاريخنا؟

لكتابة التاريخ دور مهم، فوفقا للمنهج الذي كتبت به أحداثه، قد يعمل على تشكيل وعي وفكر ووجدان الأفراد والمجتمعات أو تشويه فكرهم وتشتتهم وتفرقهم وإعاقة نهضتهم، وقد يكون ذلك راجعا إلى تأثير اتجاهات وأحداث تاريخية مسبقة وما يصاحبها من عواطف قبول وحب أو رفض وكره، وكذلك عدم الاعتماد على الأسس العلمية الموضوعية الصحيحة في قبول أو نفي الأحداث والوقائع والروايات. فقد بينت تجارب وأحداث التاريخ والعصور والأمم السابقة، كيف استطاع بعض المؤرخين بحكم مكانتهم واقترابهم وحظوتهم لدى الحكام وأصحاب النفوذ، من كتابة التاريخ كما أملته وفرضته عليهم منزلتهم ومكانتهم، فأصبح كل ما يفعله الحاكم هو الصواب، وكل ما يرتكبه من أخطاء، يكون مثارا للتفسير والتبرير.

وقد يكون مبكرا الحديث عن أهمية تأريخ مقدمات وأحداث ووقائع الثورات والمظاهرات العربية، خاصة أنها لم تبلغ بعد مرحلة الاستقرار، ولكن من المهم الإعداد والاستعداد لإسناد مهمة إعادة صياغة أحداث وحقائق تاريخنا المعاصر، وتوثيق أدوار كل من شاركوا فيها، بنزاهة وحيادية ومهنية تامة، من دون تزييف أو تلوين أو تلميع أو مجاملة ومديح وتقريظ أو إفراط أو تفريط في صنع بطولات وأدوار قد يكون لا أصل لها، حرصا على صيانة وحفظ تاريخنا بكل صدق وأمانة، وحتى تتعلم وتستفيد منه أجيالنا الناشئة.

خلاصة القول: لكي تنهض المجتمعات والدول، لا بد لها من كتابة تاريخها بموضوعية وأمانة، ومن دون تجاهل لأدوار وبطولات وتضحيات كل من قدموا للمجتمع والوطن والتي لا ينكرها منصف، وليس هناك عيب في الإشارة إلى السلبيات والأخطاء الواقعة، ولكن المهم هو تقويمها ومحاولة الاستفادة منها وعلاجها لتصحيح مسارات الطريق.

الثورات والمظاهرات العربية، دعوة عامة لكل المهتمين والمعنيين لتشكيل لجان وطنية لإعادة النظر في أحداث وحقائق تاريخنا الحديث في جميع المراحل التعليمية وتنقيته وكتابته وتوثيقه من جديد وبمنهجية علمية منظمة وشاملة ومتكاملة ومتوازنة، قوامها وعمادها الصدق والموضوعية والحيادية والمسؤولية، وبما يتماشى مع أهمية هذه الأحداث والمنعطفات والحقائق التاريخية وربط مسار أحداث الحاضر بالماضي وإلقاء الأضواء عليها والاستفادة منها مستقبلا في تشكيل شخصيات الأفراد والنهوض بالأوطان.