فشلنا الرياضي

TT

استرعت نظري مقالة الزميل مشعل السديري على هامش مسابقات كرة القدم الأنثوية العالمية. لمح لفشلنا في ميادين الرياضة. الحقيقة يا أخي مشعل فشلنا يمتد إلى سائر الميادين، ولا سيما عندما نأخذ بالنظر عدد دولنا العربية وعدد سكانها.

الزميل السديري مكسوف على هذا الفشل. ولكنني لا أشعر بذلك. فبقدر ما يتعلق الموضوع بالرياضة هناك سبب مناخي يبرره، وهو ارتفاع درجات الحرارة والجفاف في بلادنا بما يجعل من الصعب على فتياننا المثابرة على التمرين. يلاحظ القارئ أنني لم أشر للفتيات. إنهن خارج القوس في هذه الميادين.

فضلا عن ذلك، إنني أرى جانبا فلسفيا في الموضوع يتعلق بفلسفتنا للحياة. وهذا عامل أراه يطالعنا في كل جوانب تراثنا وتاريخنا. المواطن العربي يحب الحياة ويحب الاستمتاع بالحياة ولا يرغب في إرهاق نفسه وتعذيبها. ومن هذه الناحية أراهم يلتقون مع الإنجليز في هذا المزاج. شكوى الزميل السديري ينبغي أن تشمل أيضا فشل البريطانيين الرياضي في السنوات الأخيرة. أسمعهم يتذمرون في مجالسهم وحاناتهم ويتساءلون لماذا يغلبنا كل من هب ودب في كرة القدم والتنس وغيرهما؟

أخذ أبناء وبنات أوروبا الشرقية يسيطرون على الميدان. السر في ذلك استماتتهم في التدريب لدرجة غير إنسانية. وجدوا في العهد الشيوعي أن الفوز عالميا السبيل الوحيدة لكسب الثروة (جائزة تنس ويمبلدن الأخيرة بلغت 1.1 مليون باوند) والحصول على حق السفر حيثما يريدون. مكنهم ذلك من اللجوء والإقامة في الغرب بموافقة حكوماتهم. هذا ما فعلته بطلة التنس التشيكية نفارتلوفا وبطل رقص الباليه نوراييف. الفوز عالميا مسألة موت أو حياة تقريبا لأبناء أوروبا الشرقية. تراهم يقومون بأي شيء من أجل ذلك. وفي جو المنافسة العالمية القاتلة أخذت البطولات تتطلب التكريس لها منذ الطفولة. أصبحوا يأخذون الطفل بعيدا عن أهله وأصحابه وبلده ويخضعونه لديكتاتورية رهيبة في كل شيء، أكله ونومه وعشرته وسلوكه والتدريب والتدريب والتدريب. هذا ما جرى لشابروفا وجوكوفيتش مثلا.

على نقيض ذلك، رفضت عائلة إنجليزية أعرفها السماح للمدربين بأخذ ابنتهم الموهوبة بعيدا إلى إسبانيا لتكريس حياتها للتنس. قالت أمها حاشا أن أسمح لابنتي أن تفني صباها وفتوتها من أجل الفوز بالتنس. أريدها أن تتمتع بالحياة والحب والحرية والعيش في كنف أسرتها. الكلمة الشائعة عن الرياضة «سبورت» SPORT لا تعني عند الإنجليز الفوز على خصمك. تعني دماثة الخلق والكرم ورحابة الصدر والاستمتاع بالرياضة والألعاب ونحو ذلك. تسمعهم يشيرون للرجل المشاكس والأناني والمتحايل بأنه ليس «سبورت». بطل كرة القدم ماردونا ليس «سبورت» لأنه سجل هدفا ضدهم بيده وخدع الحكم. وأقول مثل ذلك عن معظم ساستنا وكل من وصل إلى الحكم بالمؤامرة والانقلاب. إنهم ليسوا «سبورت».

لهذا فقد الإنجليز القدرة على الفوز في هذه المنافسة القاتلة. ولا ألومهم. وأقول مثل ذلك عن المواطن العربي. كل حياتنا تاريخيا قامت على الأنس والمؤانسة وقرض الشعر والطرب ونحو ذلك.